شريط أخبار موقع حزب العمل الإسلامى

Wednesday, September 26, 2012

مجدي حسين يكتب: لماذا تأخر الرئيس مرسي فى قرار التخلص من القصور والاستراحات الرئاسية؟



<< لا بد من قرار لوقف استيراد الكماليات والمواد الاستهلاكية الترفيهية
<< إيرادات الحكومة أقل من إيرادات شركة كورية والحل بالمشروعات الإنتاجية لا القروض
<< دروس من السيرة النبوية ومن تجارب معاصرة لتقشف النخبة الحاكمة
<< من أهم قرارات مرسى رفع أسعار توريد المحاصيل ووقف وضع صورة الرئيس فى المصالح الحكومية
أخطر ما يواجه البلاد على الجبهة الاقتصادية هو منهج الحكومة الراهنة فى التعامل معها، فهى تتحدث بلغة الأرقام وتتصور أن الأرقام فى حد ذاتها هى لغة العلم والدقة والحسم. وأنا أهتم شخصيا وكذلك أى باحث موضوعى بالإحصاءات؛ باعتبارها مؤشرا لا غنى عنه لتقدير الأمور عموما وتقدير الأوضاع الاقتصادية خصوصا، ولكن الاكتفاء بذلك دون رؤية كلية والنظر فى الأبعاد السياسية والاجتماعية الشاملة للموقف، يمكن بل من المؤكد أن يؤدى إلى نتائج مضللة.
ومن الأخطاء التاريخية لروشتة صندوق النقد الدولى أنها تركز على مسألة معالجة العجز فى ميزانية الدولة، كمسألة منفصلة وحاسمة فيما يسمى الاصلاح الاقتصادى، وقد أدت هذه النظرة القاصرة والمغرضة إلى نتائج كارثية فى سلسلة طويلة من البلدان. وأدت إلى سلسلة من الانتفاضات اصطلح على تسميتها بانتفاضات صندوق النقد. ومن أشهرها الكارثة الكبرى التى ألمّت بالأرجنتين فى بداية القرن الحادى والعشرين والتى وصفت بأنها أسوأ كارثة تحيق بالبلاد منذ 200 عاما، والتى أدت إلى انهيار شامل للاقتصاد بسبب الالتزام بتوجيهات الصندوق فى مجال الخصخصة والانفتاح التجارى والاختفاء الكامل لدور الدولة فى الحياة الاقتصادية. والصحوتان الأسيوية والأمريكية اللاتينية حاليا ترجع للابتعاد عن نصائح الصندوق بل والعمل عكسها تماما. ولا يسمع فى العالم نصائح صندوق النقد إلا المغفلون أو العاجزون أو المنبطحون سياسيا أمام أمريكا والغرب.
ومسألة العجز فى الموازنة فى عرف الصندوق مسألة خطيرة وأساسية، بل وأولى ولا بد من حلها فورا مهما كان السبب. والحل التقليدى الجاهز هو إلغاء التزامات الدولة الاجتماعية. بإلغاء الدعم للسلع والخدمات الأساسية، وخصخصة شركات القطاع العام، وإلغاء كافة اشكال الحماية للاقتصاد الوطنى من المنافسة الأجنبية، وخفض سعر العملة. وبطبيعة الحال لا ينكر أحد أن العجز المزمن فى الموازنة قضية مزعجة ويجب التعامل معها بجدية ولكن دون فزع، لأنها مشكلة اقتصادية شائعة فى العالم بأسْره، وليست فى حد ذاتها علامة على انهيار النظام. بل الأساس أنها مظهر لمشكلة جوهرية، وليست هى أساس المشكلة بمعنى أن حل عجز الموازنة يتم بعيدا عنها بالذات!! فالعجز هو زيادة المصروفات على الإيرادات، وهذا ما يحدث فى حياة المواطن أو الأسرة الواحدة. والحل فى المدى القصير بالنسبة للفرد أو الأسرة أو الحكومة هو ضغط المصروفات ( النفقات ) والاندفاع الفورى للبحث عن وسائل زيادة الإيرادات. أما بالنسبة لخفض المصروفات فورا فالعقلاء هم الذين يخفضون فى الكماليات أو الحاجيات الأقل إلحاحا، وليس بوقف تعليم أولادهم أو بإلغاء بعض وجبات الطعام. وبالتوازى يبحثون عن عمل إضافى أو أى وسيلة أخرى لزيادة الدخل. وكذلك تفعل الحكومات الرشيدة والنظيفة : فتوقف شراء السيارات الحكومية لعام أو عامين أو أكثر توقف استيراد الجمبرى بالمليارات وأكل القطط والكلاب، وكل العجائب المستوردة المعروضة فى المولات. بدلا من ترك فاتورة الاستيراد ترتفع إلى 53 مليار دولار بينما لا أملك إلا تصدير بـ16 مليار دولار. وبعد ذلك نتحدث عن تآكل الاحتياطى النقدى.
كنت فى العامين الأخيرين من نظام المخلوع فى السجن، وقد أتاح لى ذلك متابعة وسائل الإعلام الرسمية بصورة دقيقة ما كنت لأفعلها خارج السجن. فى هذين العامين لم يكن هناك حديث للمجموعة الاقتصادية ولجنة السياسات إلا رفع الدعم عن المواد البترولية، وكانوا يلخصون مشكلة مصر الاقتصادية فى ذلك، والآن فإن المجموعة الاقتصادية للرئيس مرسى تكرر نفس الأغنية السخيفة. ومعظمهم جاء من الصف الثانى من الجهاز الحكومى. مع أن رفع الدعم عن الشركات كثيفة الاستخدام للطاقة سيوفر أكثر من ثلث المبلغ المدفوع فى الدعم، لكن لا النظام السابق ولا الحالى تجرأ على هذه الخطوة. والواقع أن مشكلة مصر ليس فى أن الدعم يصل إلى 90 أو 100 مليار جنيه. ولكن المشكلة الأصلية أن الدخل القومى لمصر حوالى 200 مليار دولار فقط، وأن إيرادات الحكومة 60 مليار دولار فقط، وهو أقل من إيرادات شركة واحدة فى كوريا الجنوبية. القضية أن مصر خرجت من عجلة الإنتاج، والمهمة التاريخية لحكم مرسى أن يعيد مصر إلى هذا الميدان. يقول المحيطون بمرسى إن القروض والمنح هى عملية نقل دم لحين إجراء جراحة للاقتصاد المصرى. وهؤلاء يكررون بالحرف ما كان يقوله رشيد وغير رشيد. إن الوقت الذى ننتظره حتى تصل إلينا الدفعات الأولى من القروض والمنح، هو نفس الوقت الكافى للانطلاق بالاقتصاد بالفعل، مع ملاحظة أنها تستهدف تغطية بعض الحاجات المدرجة بالفعل فى الميزانية، ولا تغطى احتياجات التطوير والبناء وتلبية المطالب الفئوية التى لا تنتهى. وبالتالى فأنت لست أمام حل، ولكن أمام ورطة بل أمام بئر ماله من قرار. والحل ليس فى لعبة الأرقام. وكثيرا ما يسأل أصدقاء على "فيس بوك" ما هو الحل البديل. وهناك حلول عملية كثيرة أشرنا إلى بعضها آنفا، كالتحكم فى الواردات غير الضرورية، وقد كان هذا سلاحا بالغ الأهمية فى كل التجارب التنموية الناجحة. وتوفير النفقات غير الضرورية وما أكثرها. مثلا نفقات تشغيل السيارات الحكومية تصل إلى مليار جنيه. وفى الصين وهى الدولة العظمى الثانية فى العالم صدر فيها منذ عدة سنوات قرار بوقف استخدام 50% من السيارات الحكومية، لتوفير الوقود، وتخفيض استخدام الكهرباء فى المصالح الحكومية: تقليل استخدام التكييف والمصاعد والمصابيح!!
الأساليب الجادة للتقشف وضغط المصروفات لا حدود لها، والهدف دائما هو تحقيق التوازن بين المصروف والإيراد، فنحن لا ننكر أنها مشكلة ولكننا نختلف فى أسلوب الحل، ونرفض الحل الذى تضيع معه كرامتنا واستقلالنا. فهذا هو حل المخلوع على مدار 30 عاما ولقد اختبرناه ودفعنا ثمنه ولا نحتاج إلى أى تجارب أخرى. ويقول وزير مالية تشيلى على سبيل المثال وبمنتهى الوضوح: نحن لا ننفق فى الموازنة إلا فى حدود ما تجمع لدينا من إيرادات. وهذا ما يفعله الإنسان العاقل حتى لا يسقط فى دوامة الاستدانة. ولكن الإنسان العاقل ينشغل أيضا وهو يضغط المصروفات فى كيفية زيادة موارده عبر العمل المنتج وليس بالاستدانة. وفى الحالتين نحن نحتاج إلى قدوة، وإلى قيادة ملهمة تشحذ الهمم، وتعبئ القوى، وتضرب المثل، وتشعل العقول والقلوب بالأمل، ثم تضرب أمثلة جزئية لتأكيد مصداقية ما تطرح، ولتزيد الجماهير ثقة فى إمكانية النهوض. ونحن فى مصر بالذات خارجون من تجربة مريرة؛ حكام كذبة فاسدون ظلوا يخدعوا الشعب عقودا من السنين، تركوا البلاد حطاما بكل المعانى الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، والقيم التى ازدهرت خلال ثورة 25 يناير توشك أن تتبخر لأنها لم تتحول إلى معركة البناء والتنمية. وهذه جريمة الحكم الانتقالى السابق. ولكن حكم مرسى يحل المشكلة بطريقة تدبير الموارد من الخارج بالسلف والدين والمهانة (راجع مقال الأستاذ فهمى هويدى) وهكذا يوشك أن يطفئ كل المعانى المتبقية من الثورة: إنكار الذات – التضحية – الاعتزاز بالوطن –الاستقلال – الاستعداد للبذل والعطاء بلا حدود من أجل البلد – الشعور بأننا جميعا يد واحدة، ويمكن بذلك أن نحقق المعجزات وأن نعلم العالم لا أن نتسول منه.
وفى معركة التقشف والبناء نحتاج إلى عدة أشياء: إدراك أننا أمام حرب حقيقية تحتاج لتجييش طاقات الأمة وقد أشرت لذلك من قبل، وأن الانتصار فى هذه الحرب يبدأ بالمعاناة ويحتاج إلى صبر ولا يمكن حل مشكلات الناس الفئوية فى إطار نفس الاقتصاد المتهاوى. ولا بد من وقف أى زيادات فى المرتبات لمدة عام واحد على الأقل، وأن الاستجابة لفئة واحدة يعنى الاستجابة لكل الفئات. ومنشور فى الصحف أن الحكومة تستدين 150 مليون دولار كل يوم منذ مجىء حكم مرسى، وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر. وهناك احتمال سىء آخر هو طبع البنكنوت، وقد يكون يحدث سرا دون إعلان، بل هذا لا يحدث إلا سرا فى البلدان المضطرة إلى ذلك، وهو أمر خطير ويؤدى إلى انفجار فى الأسعار. ولكن المدخل لكل ذلك هو القدوة. إن شعار ربط الأحزمة على البطون سىء السمعة لأنه ارتبط بحكام بطونهم اتسعت من كثرة أكل مال الشعب. والمسلمون فى المدينة تحملوا شظف العيش لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان فى مقدمة المتقشفين، والمحيطون به من آل البيت والصحابة كانوا أكثر تقشفا من غيرهم. ولا تزال تحدونا آمال كبار فى الرئيس مرسى، رغم أننا نشعر أنها بدأت تتهدد، ولكننا لن نيأس بسهولة إن شاء الله. كان الرئيس مرسى موفقا فى معظم قراراته وتصريحاته، وما زلت أعتقد أنه يتمتع بفطرة دينية ووطنية سليمة، وأن بإمكانه من واقع عظم مسئوليته الآن أمام الله أن يدرك أخطاء بعض أفكار وتوجهات الإخوان. ولا ندعوه تلك الدعوة الساذجة بالبعد عن الإخوان، ولكن ندعوه لتقدير حرج موقفه كممثل لقوى الثورة والحركة الإسلامية، وكأول حاكم منتخب فى تاريخ البلاد، وأن البلاد لا تحتمل فشلا جديدا. المواقف الرمزية ذات المغزى لها أهمية كبيرة لا تقل بل تزيد عن القرارات الاقتصادية.
من أبرز القرارات الاقتصادية التى أصدرها هى رفع أسعار توريد المحاصيل للفلاح، ففى هذا القرار ليس إنصافا للفلاح فحسب، بل دفعا لانتعاش الزراعة من جديد، وتوجيهها نحو المحاصيل الإستراتيجية. وأهم قرار معنوى رمزى اتخذه مرسى هو منع وضع صورته فى المصالح الحكومية، لإنهاء فكرة قداسة وسرمدية وصنمية رئيس الجمهورية !! ولكننى فوجئت بتأخر الرئيس حتى الآن فى إصدار قرار بالتخلى عن القصور والاستراحات الرئاسية. وأقول تأخر رغم أنه لم يتعهد بذلك، لأننى كنت أتوقع منه ذلك. هذه القرارات الرمزية يكون لها آثار كبيرة فى نفوس الشعب، تنعكس بعد ذلك فى نتائج مادية أكبر بكثير من ثمن هذه القصور والاستراحات. ولهذا الموضوع أهمية خاصة لأن نظام المخلوع تحول إلى نظام ملكى يهتم بالقصور والمنتجعات، وكان من ممارساته الاستفزازية، لذلك لا بد من إعادة هذه الأموال للشعب. فقد كانت هذه القصور قد تحولت لتكية لأسرة مبارك وكان من المفترض أن يرثها الابن مع منصب الرئاسة. وهذه القصور والاستراحات الرئاسية تقدر بمئات الملايين أو أكثر، وليس لدينا حصر بها ولكننا نعرف القصور الرئاسية والاستراحات فى القاهرة والإسكندرية وبرج العرب وشرم الشيخ والقناطر الخيرية ومرسى مطروح ورأس الحكمة (نشر أن هناك 45 قصرا و18 استراحة). وهذه يمكن التصرف فيها على عدة أوجه: الاحتفاظ ببعضها لاستخدام الضيوف الرسميين – إبقاء بعضها كمتاحف أثرية – بيع بعضها أو تحويلها لمشروعات سياحية. والاحتفاظ باستراحة واحدة لاستخدام رئيس الجمهورية، بالإضافة لقصر الاتحادية. وفيما عدا ذلك تكون القصور الرئاسية المحتفظ بها للاستخدام العام. وكنت أتصور أن يسارع الرئيس مرسى لذلك، خاصة بعد ما نشر من شائعات أو حقائق لا أدرى عن استخدامات أسرية لبعض هذه القصور.
لا أعرف الكثير عن رئيس أورجواى، ولكن لفت انتباهى ما نشر عنه:
رئيسِ الأورغواى خُوسى موخيكا الذى يَبلغ مِن العُمر 76 سنة تصفه صحافة بلده بالرئيس الأكثر فقرًا فى العالم! خاصة بعد أن تبرع بـ90% مِن راتبه الشهرى (وهو 12 ألف دولار) لمساعدة الفقرآء.
عرض "موخيكا"على المصالح الاجتماعية فى حكومته استعمال بعض أجنحة القصر الرئاسى المعروف باسم "كاسا سواريث إى رييس" فى العاصمة "مونتفديو" لتوفير المأوى للمشردين فى حالة عدم كفاية المراكز الموجودة فى العاصمة. والصورة له وهو يركب سيارته القديمة الصغيرة ويقودها بنفسه.
هذا هو النموذج الذى نحتاجه فى مصر، وأحسب أن الرئيس مرسى مؤهل له بغض النظر عن التفاصيل. فلا يمكن أن تطالب الناس بالصبر دون أن تبدأ بنفسك، وطبعا هذا ينطبق على المحيطين بالرئيس وحزب الرئيس والوزراء..إلخ.
يتصور كثير من الناس أن سيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا تتضمن قوانين هادية لنا فى حياتنا السياسية والاجتماعية، ويتجه الاهتمام الأكبر بالاقتداء بالرسول فى السلوك الشخصى أو فى الأمور التعبدية. وقد ذكرت فى دراسة سنن التغيير فى السيرة النبوية:
يقول الله عز وجل: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" (الأحزاب: 21). وعلى رغم حب المسلمين لسيدنا محمد- عليه الصلاة والسلام- إلا أن معظمهم لا يقتدون به فى أهم مجالين، على رغم الاهتمام بالاقتداء به فى أداء الشعائر، وبعض الأخلاقيات، والزى، والسواك، والخاتم الفضى، واللحية، أما أهم مجالين فهما:
1- التقشف فى حياته الشخصية.
2- الجهاد باللسان فى المرحلة المكية.
يتصور كثير من الناس أن تقشف الرسول- عليه الصلاة والسلام- فى حياته الشخصية كان مسألة تخص نبوته، أى سموه من حيث هو نبى، وهى أمور فوق استطاعتنا. ومن الواضح أن ذلك غير صحيح. ففيما عدا الوحى علينا أن نقتدى بالرسول قدر الطاقة. والتقشف نسبى ويتغير من حيث الزمان والمكان.
سيرة الرسول فى المدينة مهمة جدا من زاوية أننا أمام قدوة الحاكم، والحاكم يتعرض لأعباء أشد من أعباء المواطن العادى. لا ينتبه كثيرون إلى أن حياة الرسول كانت أكثر سعة وراحة وهو مضطهد فى مكة!! فى بيت السيدة خديجة وهو متسع وله فناء داخلى ودور علوى. أما عندما أصبح حاكما فى المدينة وكان باستطاعته أن يكون له بيت مماثل، عاش فى تلك الحجرات التى كان يمكنك أن تلمس سقفها وأنت واقف، وبها من الأثاث ما هو شديد التواضع، ومساحاتها تتراوح حول 3× 5 متر. إذن تقشف الحاكم مسألة مطلوبة، وربما يتشدد على نفسه أكثر من المتوسط العام لأحوال الناس. وهذا ينطبق على الفئة الحاكمة عموما. وهذا الحاكم إذا استعرض بالناس البحر لعبروه معه. كما قلت من قبل إن مرسى يتعين عليه أن يخرج للناس معلنا الحرب على الفساد والتخلف والفقر، معلنا خطته الأولى للسنوات الأربع التى لا بد من إقرارها فى هيئة منظمة ودائمة للخطة. وأن يؤكد للناس ضرورة المشاركة بحماس فى هذه الخطة وأن يدعوهم إلى الصبر ويسوى بين الناس، وليلحظ أن زيادة مرتبات أساتذة الجامعات ستثير حفيظة الإداريين، وزيادة الأطباء ستزيد حفيظة الإداريين وهيئة التمريض، وإن الدخول فى هذا الباب لن يكون له نهاية. لا بد من الصبر وأن تكون الخطة واضحة للجميع، وأن يشرع فى بناء وادى السيلكون فى أنسب الأماكن لذلك، وأن تركز خطته على التصنيع. أما الآن فإننا نقرأ عن مشروعات متناثرة تفضل الأجانب علينا بها، وهذه ليست خطة التنمية، ولن نتقدم خطوة إلى الأمام بهذا الأسلوب. لا بد من بداية بناء المجتمعات العمرانية الجديدة وأن تقام المعسكرات لشباب يعانى الآن من البطالة للإقامة فى هذه المعسكرات، وبناء هذه المدن: فى عمق سيناء، فى البحر الحمر، فى توسع للمنطقة الصناعية فى طريق السويس، فى الصحراء الغربية ( الاستفادة من أفكار د. خالد عودة )، لابد من الشروع فورا فى تحديد أماكن هذه المدن، والشروع فى بنائها، وأن تعتمد على الصناعة لأن المياه المتوفرة لدينا قليلة ولها سقف. ويجب أن تكون مواقع هذه المدن بعيدة بما يكفى عن الوادى حتى لا تتحول إلى مجرد امتداد بسيط له. ستقول لقد مرت 3 شهور فحسب، وأقول هذه مدة طويلة جدا فى هذا المعترك الذى نحن فيه، وكانت كافية لتحديد أماكن هذه المدن أو وادى السيلكون. ولا بد للإعلام المشغول بالهجوم على الإخوان أو للدفاع عن الإخوان أن يعطى مساحات أكبر لهذه المعركة الحضارية. ولكن لا بد لهذه المعارك أن تبدأ أولا. ولكن لا توجد روح لأى معركة ولا لمواجهة أى تحدٍّ، فالرئيس مستمر فى جمع المساعدات، وتقول مواقع الإخوان إن الرئيس وعد بتمويل من 200 مليار وإنه على وشك استكماله !! ونحن لا نريد هذا النوع من التمويل بالسلف. بناء المدن سيأخذ وقتا ولكن عملية بنائها توفر فرص للعمل وتشغيل الشركات. وهناك مصانع يحتاج بناؤها 6 شهور وأخرى تحتاج عاما وأخرى عاما ونصف العام وهكذا، المهم أن ترى الناس أن العجلة قد دارت. وإذا قرأت تجارب التنمية الناجحة عبر الأرقام وحدها فإنك لن تعرف كيف تحققت هذه الأرقام!! فمعركة الصين ضد التخلف لم تكن بالخطط الحاذقة وحدها بل باستثارة همة الجماهير من أجل إعلاء مكانة الصين بين الأمم، ورفع شعارات من قبيل (ضرورة التفوق على إنجلترا فى خمسة عشر عاما) حتى مع الصعود والهبوط فى الإنجاز، ومراحل التجربة والخطأ. فإن الصين انتصرت فى النهاية على نفسها، وأصبحت الأولى فى العالم فى عدة مؤشرات اقتصادية خلال 30 سنة، ولكن الشعب كان يرى ويسهم فى التقدم عاما بعد عام، ومجرد أن تتقدم خطوة فإن هذا يلهب الحماس للخطوة التالية. ونعنى الخطوة التى تعتمد فيها على ذاتك وبإمكانياتك. نحن لن نتقدم إلا باستئصال الهزيمة من داخل نفوسنا، فكثيرون لا يزالون يوقنون أن الغربى (وانضم إليه الأسيوى) سيأتى ليحل مشكلاتنا. والحاكم القائد لا بد أن ينهى هذه الأسطورة الكاذبة. وحتى عندما نرى ضرورة الاهتمام بالبحث العلمى نلجأ إلى الأمريكى الهوى صديق إسرائيل لأنه من أصل مصرى، ليمارس علينا منذ سنوات استعراضا إعلاميا، ولو كان مخلصا للبلد لقدم شيئا لنا أكثر فائدة من ظهوره التلفزيونى، وتمخض الجبل عن محاولة للاستيلاء على جامعة قائمة بالفعل (راجع المنشور عن زويل فى مكان آخر). ويبدو أن أهل الحكم يشجعون زويل، وهذا إرضاء لأمريكا التى يعمل عندها زويل مستشارا للبيت الأبيض أكثر منه إرضاء لطموحاتنا فى البحث العلمى. وإذا لم يكن الدكتور مرسى يعلم من هم العلماء المصريون المخلصون فليسأل. ولكن ليلحظ أن الاهتمام بزويل أكثر من اللازم يندرج تحت اتباع خطوات ما كان يجرى فى العهد البائد، من الأعمال غير الجادة التى تصرف الأمة عن أهدافها الحقيقية.
سنظل نكتب ونكرر: إن معركتك يا دكتور مرسى ومعركة مصر هى معركة الاستقلال والتنمية المستقلة، ومن هذه الجبهة يأتى الخطر الأكبر على مصر وعليك.
magdyahmedhussein@gmail.com

شكاوى من مركزى البدارى وساحل سليم إلى وزيرى الزراعة والداخلية

قام الأستاذ محمد عبدالله شعيب الأمين المساعد لحزب العمل بتوجيه شكوى لوزير الزارعة خاصة بالمزارعين فى مركزى ساحل سليم والبدارى وكان هذا نصها:
معالى السيد المهندس/ وزير الزراعة واستصلاح الأراضى
تحية طيبة وبعد،،

انقل إليك شكاوى السادة المزارعين بنواحى مركزى ساحل سليم والبدارى المتكررة والمتجددة بشكل كثيف حيث أن هؤلاء المزارعين يزرعون حوالى 12000 فدان بساتين لمحصول الرمان الذى يعتبر المصدر الأساسى لرزقهم.
أولى هذه الشكاوى ما يتعلق ببيع من الملاك للمستأجرين حيث تدنى الأسعار المفتعل بسبب مشاكل بين الملاك والمستأجرين.
المشكلة الأهم هى التلاعب الواضح من المصدرين واعوانهم من سماسرة وخلافه مما تسبب فى انخفاض سعر طن الرمان المصدر إلى 2000 جنيه وهو السعر الذى لا يكفى لتغطية التكاليف. ولكون هذه السلعة مصدر رئيسى لدخل المزارعين فى البدارى وساحل سليم إضافة إلى أن محصول الرمان فى هذين المركزين من أجود الأنواع على مستوى الجمهورية فهناك إقبال من المستوردين على شرائه ولكن نقطة الضعف الجوهرية هى ان المزارع لا يستطيع تخزين الرمان على الأشجار لتعرضه للتلف مما يتيح للمصدرين التلاعب فى الأسعار.
لذلك نرجو تدخل الجهات المختصة بالدولة من وزارة الزراعة وباقى جهات الاختصاص الاهتمام بهذا الموضوع وإشراك قسم التسويق بالإدارات الزراعية فى ذلك بالإضافة إلى إنشاء جمعية لمنتجى الرمان ويكون هناك جهات رقابية للحد من هذا التلاعب الذى يؤدى إلى ضياع حقوق المزارعين وعدم تغطية تكاليف الانتاج وعزوف المزارعين عن زراعة هذا المحصول الحيوى الهام.


كما قامت السيدة فاطمة عبد الحافظ أمينة المرأة بحزب العمل بمحافظة أسيوط بتوجيه شكوى لوزير الداخلية كان هذا نصها:
صرخة إلى وزير الداخلية من أهالى البدارى
يا سيادة الوزير مركز البدارى بمحافظة أسيوط اصبح ترسانة للأسلحة والذخيرة (جارينوف وآلى وعوزى وخلافه) فى أيدى الصغار قبل الكبار والفقراء قبل الأغنياء.
هذه الأسلحة مشتراة ومسروقة من مركز شرطة البدارى عندما تم اقتحامه أثناء الثورة وفى كل يوم يموت الكثير من الأبرياء بسبب انتشار هذه الأسلحة.
نناشد سيادة وزير الداخلية بسرعة نزول حملات من الشرطة للقضاء على هذه الظاهرة التى تفشت فى مركز البدارى.

الحقوق والحريات في الدستور الجديد خطوة للأمام


شمعة نضيئها مع الجمعية التأسيسية للدستور ( 3 )
ضمن سلسلة "كتاب الأمة" وتحت عنوان "مقاصد الشريعة .. أساس لحقوق الإنسان" كتب الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي:
كرّم الله الإنسان، واصطفاه على سائر خلقه، وجعله سيدًا في الأرض وأرسل له الأنبياء والرسل، وشرع له الأحـكام لبيان الحقوق والواجبات، وجاء الشرع الإسلامي الحنيف من أجل الإنسان، حتى أن مقاصد الشريعة الإسلامية هي المنطلق الرئيسي لإنسانية الإنسان
ومقاصد الشريعة هي تحقيق مصالح الناس، ولكن المصالح ليست على درجة واحدة من حيث الأهمية والخطورة وحاجة الناس إليها، وإنما هي على مستويات مختلفة، ودرجات متعددة. فالمصالح الضرورية تقوم عليها حياة الناس الدينية والدنيوية، وإذا فقدت هذه المصالح الضرورية اختل نظام الحياة، وفسدت مصالح الناس، وعمّت فيهم الفوضى، وتعرض وجودهم للخطر والدمار والضياع والانهيار، وضاع النعيم في الآخرة، وحل العقاب.
وتنحصر المصالح الضرورية للناس في نظر الإسلام في خمس أشياء، وهي الدين، والنفس، والعقل، و العرض ( النسل أو النسب) والمال. وجاءت الشريعة الغراء لحفظ هذه المصالح الضرورية، وذلك بتشريع الأحكام التي تحفظ الدين، وتحفظ النفس، وتحفظ العقل، وتحفظ النسل أو العرض أو النسب، وتحفظ المال.
ومن هنا فإن دستور مصر الجديد يجب أن يحافظ على مقاصد الشريعة الضرورية الخمسة بتضمينه المواد التي تحفظ الدين والنفس والعقل، والنسل أو العرض والمال.
*****
الحقوق والحريات في الدستور الجديد خطوة للأمام
أنهت لجنة "الحريات والحقوق والواجبات العامة" في الجمعية التأسيسية عملها بمسودة تتضمن حوالي أربعين مادة في باب "الحريات والحقوق والواجبات العامة" منها 17 مادة جديدة صدرتها بهدف من أهداف ثورة 25 يناير المباركة "حق الكرامة الإنسانية"، وضمنتها حقوق " المأكل - الملبس - المسكن - العلاج - التعليم - حق العمل" وهي حقوق لم يكن أغلبها متضمنا في دستور 1971، إضافة إلى " حقوق التأمين الاجتماعي وبدل البطالة - حقوق ذوي الإعاقة - حق الملكية الخاصة - حقوق الطفل - حقوق المرأة - حقوق الملكية الفكرية - حقوق رعاية النشئ - حق ممارسة الرياضة وتشجيعها ورعاية الموهوبين".
وفي مجال حرية الرأي تضمنت "حرية تملك وإصدار الصحف للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وللأحزاب السياسية بمجرد الإخطار وحق إنشاء محطات البث الإذاعي والتليفزيوني ووسائط الإعلام الرقمي وفقا للقانون" وحماية هذا الحق "لا يجوز توجيه الاتهام في جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في هذه الجرائم باستثناء ما يتعلق منها بالنيل من سمعة الأشخاص، أو أعراضهم أو سبهم أو قذفهم أو الحض على العنف والتمييز"
واستكمالا لحرية الرأي تضمنت المواد "حرية الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق أيا كان مصدرها ومكانها حق مكفول للمواطنين، وتلتزم الدولة بتمكين مواطنيها من التمتع بهذا الحق دون معوقات وبما لا يتعارض مع الأمن القومي للبلاد أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة. وينظم القانون إجراءات الحصول على تلك المعلومات بحرية ، وكيفية وجهة التظلم من رفض إعطائها ، والجزاء المناسب لمن يخالف ذلك".
*****
تحسينات جديدة
وإضافة للمواد الجديدة هناك تحسينات أضيفت على المواد الأصلية في دستور 1971:
مادة 2 - "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الإعاقة".وعدم التمييز بناء على الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الإعاقة إضافة جديدة تحجم فرص التمييز وتضيقها وتعالج قصورا سابقا إزاء التمييز ضد بعض الفئات.
وفي المادتين 3،4 الخاصتين بالحرية الشخصية إضافات مهمة تمنع القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر من القاضي المختص فيما عدا حالة التلبس وأحوال الاستعجال والضرورة التي يبينها القانون، ثم تشترط المادة 4 "ويجب في جميع الأحوال إبلاغ المعتقل أو المقبوض عليه كتابة بأسباب القبض خلال اثنتي عشرة ساعة وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت القبض عليه ولا يتم التحقيق معه إلا في حضور محاميه وإن لم يكن فيندب محام له. وللمعتقل أو المقبوض عليه ولغيره التظلم أمام القضاء من الإجراء الذي قيد حريته ، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال أسبوع ، وإلا وجب الإفراج حتما. وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن انتهكت حريته الشخصية دون مسوغ من القانون".
وتؤكد المادة 6 على حرمة المنازل وتضيق من إمكانية دخولها أو تفتيشها إلا بأمر مسبب من القاضي المختص الذي يحدد مكان التفتيش والغرض منه وتوقيته، وبعد تنبيه من فيها فيما عدا أحوال الخطر و الاستغاثة .
وتضيف المادة 8 "تكفل الدولة حرية إقامة دور العبادة" إضافة إلى النص السابق "حرية الاعتقاد مصونة".
وتضيف المادة 9 ضمان حرية الفكر إلى حرية الرأي المنصوص عليها سابقا وكانت المادة الأصلية تنظم حرية الرأي في حدود القانون إلا أن المادة المعدلة تتحرر من قيد القانون وتشترط فقط عدم المساس بحرمة الحياة الخاصة أو حقوق الغير.
وتؤكد المادة 13 على حرية المواطن في التنقل داخل البلاد وحرية مغادرتها والعودة إليها، وهو يعالج الخلل السابق وما عانيناه من حرية التنقل طوال السنوات الماضية في محاولات الوصول إلى رفح المصرية وكسر الحصار المفروض على غزة.
وتؤكد المادة 15 على " للمواطنين حق الهجرة وحق العودة، وينظم القانون الآثار المترتبة على ذلك " في حين أن النص الأصلي بدستور 1971 كان يضيق ذلك بوضع القانون لإجراءات وشروط للهجرة ومغادرة البلاد.
وتعطي المادة 17 حق الاجتماع للمواطنين وتضيق الشروط إذ كانت المادة القديمة تشترط أن يتم الاجتماع في هدوء - وهو ما تم حذفه - والذي كان يفتح بابا واسعا لإلغاء هذه الاجتماعات. كما تضيف المادة حق التظاهرات السلمية - وهو ما لم يكن موجودا بنصه - إضافة إلى الاجتماعات العامة والمواكب.
وتضيف المادة 18، 19 إضافات مهمة حول حق المواطنين في تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار ثم عدم جواز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي وهو ما عانت منه الأحزاب والجمعيات والنقابات المهنية وإنا كنا نفضل عدم جواز الحل إلا بقرار من جمعياتها العمومية ووفقا لقانونها الأساسي وليس بحكم قضائي.
وحماية البيئة نص قديم إلا أن النص الجديد - مادة 23 - يلزم الدولة باتخاذ تدابير تشريعية وتنفيذية وغيرها لحماية البيئة وترشيد الموارد في إطار الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة وهو ما لم تراعيه الحكومات السابقة.
وتلزم المادة 27 الدولة بإدراج اسم كل مواطن توافرت فيه شروط الناخب بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب ثم تلزمها بسلامة الانتخابات وحيدتها.
*****
ولا يخلو الأمر من ملاحظات
مادة 10 في أصلها القديم بدستور 1971 كانت تنص استثناء في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، وذلك كله وفقا للقانون، إلا أن المادة في نصها الجديد تركت الأمر على إطلاقه.
مادة 12 تعفي الدولة من مسئوليتها تجاه البحث العلمي والذي أكد عليه دستور 1971.
وتؤكد المادة 13 على "حرية المواطن في التنقل داخل البلاد وحرية مغادرتها والعودة إليها، وفى كل الأحوال لا يجوز الحظر لأسباب سياسية" والجملة الأخيرة لا محل لها فهي تضييق بعد الإطلاق ويفضل حذفها.
والمادة 16 حمالة أوجه وتحتمل الأخذ والرد إذ تفتح الباب واسعا أمام حق اللجوء لمصر " تمنح الدولة حق الالتجاء لكل أجنبي محروم في بلاده من الحقوق والحريات التي كفلها هذا الدستور. ويحظر تسليم اللاجئين السياسيين" في حين كانت المادة القديمة تقصر هذا الحق على اللجوء السياسي
مادة 37 - تحتاج اختصار نظرا لوجود تكرار مع مواد سابقة.
مادة 38 تعطي حق الملكية الخاصة على إطلاقها دون أن تتطرق حق المجتمع في منع الاحتكار
مادة 39 - الخاصة بحقوق الطفل يوجد تكرار مع مواد سابقة
***
تعديلات مقترحة
مادة 10 - حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة ، والرقابة عليها محظورة. وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور ، ويجوز استثناء في حالة إعلان الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي.
مادة 12 (النص القديم) تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك.
مادة 13 - لكل مواطن حرية اختيار مكان الإقامة والتنقل داخل البلاد، وله حرية مغادرتها والعودة إليها، ولا يجوز إلزامه بالبقاء في مكان دون آخر.
مادة 16 - (النص القديم) تمنح الدولة حق الالتجاء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلام أو العدالة.وتسليم اللاجئين السياسيين محظور.
مادة 18 " للمواطنين حق تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار ما دامت الغايات مشروعة والوسائل سلمية ، على النحو المبين في القانون وبما لا يقيد من حرية تكوينها أو الانتماء إليها أو يحد من نشاطها ، أو ينتقص من استقلالها ، وتكون لها الشخصية الاعتبارية ولا يجوز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بقرار من جمعياتها العمومية ووفقا لقانونها الأساسي".
مادة 19 "إنشاء النقابات والتعاونيات والاتحادات حق يكفله القانون وتكون لها الشخصية الاعتبارية ، وينظم القانون قيامها على أسس ديموقراطية لرفع مستوى الكفاية بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم المقررة قانونا ومشاركتها فى خدمة المجتمع ؛ ولا يجوز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بقرار من جمعياتها العمومية ووفقا لقانونها الأساسي.. وتلتزم النقابات المهنية بمساءلة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم وفق مواثيق وضوابط خلقية ومهنية. وتنظم الدولة الحرف بما يحقق أفضل مشاركة لها في خدمة المجتمع".
مادة 21 "لا يجوز توجيه الاتهام في جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر ، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في هذه الجرائم باستثناء ما يتعلق منها بالنيل من سمعة الأشخاص أو أعراضهم أو سبهم أو قذفهم أو التحريض على التمييز أو العنف ضد الأشخاص أو الهيئات أو الممتلكات أو الإساءة للذات الإلهية أو الأديان السماوية" والتعديل هنا يجرم التحريض على الممتلكات (المال) كما يجرم الإساءة للذات الإلهية أو الأديان السماوية (الدين) لنستكمل الحفاظ على المقاصد الضرورية الخمسة للشريعة.
مادة 30 - لكل مواطن الحق في بيت صحي يؤويه وبتكلفة يقدر عليها مع مراعاة القيم الجمالية والسمات الحضارية دون ترف أو إسراف. ولجميع المواطنين الحق فى الحصول على الماء النظيف والغذاء الصحي والكساء. وتلتزم الدولة بتوفير جميع هذه الحقوق لمواطنيها.
*****
إن الحقوق والحريات في الدستور الجديد يجب أن تكفل حياة حرة كريمة وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية غير منقوصة.
والحمد لله رب العالمين وهو ولي التوفيق.
2 سبتمبر 2012

تغضبون للرسول وتتعاونون مع أعدائه؟


<<أوباما لم يخرج الفيلم .. ولكنه ينفذ فيلما واقعيا لقتل المسلمين كل يوم
<<الاسلاميون الذين سارعوا لإدانة اغتيال السفير الأمريكى لم يدينوا قتل أمريكا للمسلمين
<<نطالب الرئيس مرسى بالالتزام بالضوابط الشرعية للسياسة الخارجية
<<لا الاستثمار الاجنبى ولا الصندوق سيحلان مشكلات مصر .. ولكن بالخطة الوطنية للتنمية المستقلة
<<حل مشكلات  1570 مصنعا متعثرا وتفعيل المجلس الأعلى للبحث العلمى أولوية قصوى
الأحداث متلاحقة ولايمكن فى صحيفة سيارة أن تلتزم بخطة وضعتها فى رأسك لكتابة سلسلة من المقالات حول موضوع محدد ( استراتيجية التنمية المستقلة ) والمهم أن نخبة من العلماء والأساتذة يتابعون ذلك فى لقاء عمل أسبوعى بحزب العمل ( تابع الحلقة الثانية فى هذا العدد) . فقضية التنمية المستقلة هى القضية المحورية الآن وهى التحدى الأكبر لحكم مرسى ، وإن شئت حكم الاخوان المسلمين . ولذلك فحتى الأحداث المتلاحقة التى يتعين التعليق عليها ستجدها تصب فى هذا الموضوع الأصلى . وأبرز أحداث الأسبوع الماضى بلا جدال : واقعة الإساءة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الفيلم الحقير والذى ثبت أن مخرجه يهودى اسرائيلى وأن إخراج الفيلم  تم بالتعاون مع القس الأمريكى الذى تخصص فى حرق القرآن الكريم كل عام. والحكومة الأمريكية تقول إنه لاعلاقة لها بالموضوع ، وتحدث الاعلام الأمريكى عن حرية التعبير. وكأنه لايوجد فى القوانين الأمريكية مايجرم سب مليار ونصف مليار مسلم فى العالم !! ويعلم الأمريكيون أن حرية التعبير حتى فى بلادهم ليست بلا ضوابط . وأخيرا على سبيل المثال تم إيقاف الكاتب الكبير فريد زكريا عن الكتابة فى إحدى كبريات الصحف الأمريكية وتم منعه من الظهور فى برنامج تلفزيونى لفترة محددة لارتكابه خطأ مهنى كما يزعمون .وإذا لم يكن فى القوانين الأمريكية ما ينص على معاقبة من يسب مليار ونصف مليارمسلم ، فإن من حقنا أن نطالب بذلك إذا كانوا يريدون إقامة أى نوع من العلاقات معنا .
المهم إن مايحدث الآن قرره القرآن الكريم من فوق سبع سموات وتنزل على محمد صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 14 قرنا : ( كيف وإن يظهروا عليكم لايرقبوا فيكم إلا ولاذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ) التوبة 8
نعم إن سيطروا على بلد مسلم استباحوا فيه النساء والأطفال والشيوخ قبل المقاتلين  حتى يقللوا من خسائرهم ويضغطوا على المقاتلين الوطنيين بخسائر المدنيين وعذاباتهم . حدث هذا فى غزة وعموم فلسطين وحدث فى العراق وافغانستان وباكستان ويحدث فى اليمن ، وهذه أحدث الأمثلة فحسب . يرضونكم بأفواههم ( تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية  وأوباما ) وتأبى قلوبهم  والفيلم المسيىء يعبر عما فى قلوب التيار المسيحى الصهيونى المسيطر على المجتمع الأمريكى منذ تأسيس الولايات المتحدة . يتحدث القرآن عن مجاملة المشركين للمؤمنين باللسان وإخفاء الكراهية فى القلوب ، ولكنهم لايستطيعون الكتمان على طول الخط فينفجر مكنون قلوبهم بالموقف الحقيقى ولكن تتواصل محاولة التخفيف خوفا من رد الفعل ( قد بدت البغضاء من أفواههم وماتخفى صدورهم أكبر ) آل عمران 118
لذلك يظل الجهر بالعداء للمؤمنين يفرض نفسه عليهم ( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ) الممتحنة 2
ولاتعارض بين هذه المواقف الثلاثة : العداء الاعلامى المكشوف – إظهار جزء من العداء وكتمان الجزء الأكبر فى الصدور – الإرضاء الاعلامى الكامل  دون ربط ذلك بالأفعال ! فأعداء الاسلام يتفرقون بين هذه المواقف الثلاثة  حسب الظروف والملابسات ، أوتوازن القوى ، أوبغرض الخداع والمناورة والاختراق أو بسبب تقسيم الأدوار بينهم. ولكنهم جميعا حاقدون على الاسلام رافضون له ويشعرون أنه البديل الحضارى لحضارتهم المادية . ونحن نتحدث هنا عن النخبة الحاكمة الأمريكية وهى أوسع بكثير من الحكومة الأمريكية ، ولا نتحدث عن عموم الشعب الأمريكى .
المسيحية الصهيونية هى الطائفة الحاكمة فى أمريكا ويتراوح مريدوها بين 80 إلى 120 مليون أمريكى وهى من الفرق البروتستانتية ، وهى بمنتهى الاختصار امتداد لفئة البيوريتان التى هاجرت من بريطانيا إلى أمريكا وأسست المجتمع الأمريكى ومن أبرز معتقداتها أنها تتمسك بالتوراة أكثر من الانجيل ، وتفسر الانجيل بالتوراة ، وتؤمن بضرورة عودة اليهود لفلسطين كضرورة لعودة المسيح ، أى أن الصهيونية المسيحية سبقت الصهيونية اليهودية بعدة قرون!! ( راجع كتابى : أمريكا طاغوت العصر ).
والمواقف الثلاثة كالتالى : الأول أوباما ووزارة الخارجية الامريكية كلامهم مثل العسل ويقطرون حبا للاسلام والمسلمين ( الإرضاء الاعلامى الكامل ) ولكنهم لايربطون أفعالهم بهذه الأقوال وقد وصفهم القرآن بأنهم ( لايرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة ). فإدارة أوباما أكثر من استخدم الطائرات بدون طيار لقتل المسلمين ، فيوميا يقتل العشرات فى أفغانستان وباكستان واليمن والصومال ، والآن تهدد باستخدامها ضد ليبيا ، واسرائيل استخدمتها مرة واحدة مؤخرا لقتل مصرى فى سيناء! وأقول لقادة الأحزاب الاسلامية فى مصر وخارج مصر ، ألم تسمعوا عن هذه الغارات ، ولماذا لم تدينوها بكلمة ، وهل قتل المسلمين بالطائرات بدون طيار مسألة مقبولة شرعا ولا تثير أى حفيظة كقتلهم بالإف 16 مثلا أو صواريخ كروز. ولماذا تشمرون عن سواعد الجد الآن لإدانة مقتل السفير الأمريكى فى ليبيا ، رغم أن قتله كان انتقاما لمقتل الليبى فى أفغانستان أو باكستان بطائرات أمريكية بدون طيار.
الثانى : الذى يهاجم الاسلام دون أن يذهب فى عدائه إلى آخر المدى ، وهذا يمكن أن نجد أمثلة كثيرة منه فى الاعلام الأمريكى وبعض المسئولين الذين تفلت منهم تصريحات جارحة مثل المرشح الجمهورى رومنى وبعض المسئولين فى عهد بوش الصغير ، لأن الحزب الجمهورى أكثر إرتباطا بالمسيحية الصهيونية ، ولكنها تظل مظلة للحزبين الحاكمين.
الثالث : الذى يهاجم الاسلام بضرواة وعلى طول الخط فيمثله هذا المخرج الحقير والقسيس جونز وكبار قساوسة التيار المسيحى الصهيونى .وهذا هو التيار الفكرى الحاكم فى أمريكا الذى يخرج منه قادة أمريكا عموما وليس الرؤساء فحسب . وهويركز على محاربة الاسلام لا الارهاب ، ومحاربة القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام ، باعتبار الاسلام هو دين شرير ودين الارهاب ( راجع التفاصيل فى ص2 وص3)  .
التعاون مع أعداء الرسول !!
السب والوقاحة والتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر جسيم فى حد ذاته ولا يغتفر ولايساوم عليه . ولكن إذا تم فصله عن مجمل العداء للاسلام والمسلمين نكون قد انتزعنا جزءا من آيات الله المشار إليها آنفا دون باقى الأجزاء المكملة لها . فالمشكلة الأصلية أننا نواجه من أمريكا والصهيونية العدواة وهم المبادرون لها . فنحن لم نحتل أرضهم ولكنهم احتلوا فلسطين ثم توسعوا فى مصر ولبنان وسوريا ، وهم الذين احتلوا العراق وأفغانستان ويضربون المسلمين فى أى مكان بالطائرات إياها ( بدون طيار). ومن المثير أن نذكر أن أول بلد تحتله أمريكا خارج نطاق الأمريكاتين كان بلدا اسلاميا : الفلبين .
أقول للاخوان المسلمين إن تحويل واقعة هذا الفيلم الفاحش إلى واقعة فردية معزولة وتبرئة الحكومة الأمريكية من المسئولية عن وقف مثل هذه الممارسات المتكررة ضد الاسلام والمسلمين ، حتى فى هذه النقطة وحدها ( الاساءة للرسول ) ولنتذكر كيف قامت سلسلة من الصحف الغربية بنشر الكاريكاتير المسيىء للرسول كنوع من التضامن مع الصحيفة الدنماركية . نحن أمام وقائع مستمرة ولكن مايصل إلينا هو أقل القليل .
ولكن الموضوع أكبر من ذلك .. إنه يطرح موقفنا من العالم ، وعلاقتنا به . وقد حدده القرآن ( يا أيها الذين امنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ماعنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وماتخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الأيات إن كنتم تعقلون ) آل عمران 118.
فى عهد المخلوع نشف ريقنا لنقول له إن أمريكا لاتريد بنا خيرا ، لابد أن نعتمد على أنفسنا لبناء البلد ، ولا نسعى إزاء أى مشكلة للغرب نطلب معونة أو استشارة . الآية 118 من سورة آل عمران تتحدث عن صندوق النقد الدولى ، الاستعانة ببطانة من دون المؤمنين للتشاور والبحث والدراسة واتخاذ القرار بالنسبة للاقتصاد المصرى ، بينما هم لا يريدون لنا الخير . ومع الأسف فى عهد الاخوان المسلمين نقول نفس الكلام . كيف يسبون هم الرسول ، وتقولون لاحل لمشكلاتنا الاقتصادية إلا معهم ؟ أليس فى هذا هدم لأساس العقيدة ، بل لأساس النظرة الواقعية . ولاتعارض فى رأينا بين الواقع والعقيدة على عكس مايروج بعض الاسلاميين ، لأن معنى ذلك أن العقيدة مثالية لا مجال لتطبيقها فى السياسة !! والواقع هنا يقول إن أمريكا لن تعطيك إلا الماكدونالد والكولا وما أشبه . وستتوسع فى منتجات المياه الغازية ، ثم فى الانتاج البترولى لتأخذه لنفسها  ، وهكذا . وبالتالى فإن الاعتماد على الاستثمارات الغربية والأمريكية لن يقيل الاقتصاد المصرى من عثرته ، وأقصى مايمكن أن يحققه هو قليل من الانتعاش فى ظل علاقات التبعية والسيطرة على المارد المصرى ومنعه من الانطلاق فى عالم البحث العلمى والتكنولوجيا الفائقة . لاتضيعوا سنوات من عمر البلاد حتى تكتشفوا أن الآية 118 ومثيلاتها فى نفس الموضوع تقدم قوانينا وسننا للتنمية ، وليست كلاما عابرا جميلا. وأنتم تتلون الكتاب بينما المخلوع لم يكن يقرأه .
الضوابط الشرعية للسياسة الخارجية
نؤكد فى البداية أننا لانرفض العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الغرب بصورة مطلقة ، ولكن هناك ضوابط شرعية لذلك . فقد نهانا الله  عن الصداقة والتعاون مع الذين يناصبوننا العداء فى آية محكمة  : ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) الممتحنة 9
الحكومة الأمريكية تحاربنا الآن وتقتل المسلمين بصورة مباشرة بآلة حربها فى 4 بلاد على الأقل ، وتساعد اسرائيل التى تواصل قتل الفلسطينيين فى غزة والضفة . والحلف الصهيونى الأمريكى اخرج المسلمين من ديارهم ليس فى فلسطين فحسب وإن كان ذلك الطرد الأكبر من الديار ولكن أمريكا مسئولة عن تهجير ملايين المسلمين من ديارهم فى أفغانستان وباكستان والصومال والعراق واليمن . وتظاهر أمريكا اسرائيل فى كل جرائمها الاستيطانية فى فلسطين ومجازرها فى غزة . وكان يمكن تخفيف القيود على العلاقات مع أمريكا على أساس انسحابها من العراق ، وإن لم يكن ذلك تفضلا بل على سبيل الهزيمة ، وأيضا على أساس إعلان الانسحاب القريب من أفغانستان ، وبناء على كبح جماح اسرائيل فى ارتكاب الجرائم ضد غزة والضفة ، ولكن دون وقفها تماما . ولكن التوسع فى الاغتيال بالطائرات يعود ليضع عقبات على أى علاقات خاصة مع أمريكا . وقد قلنا لمبارك إن العلاقات الاسترتيجية مع أمريكا فى ظل هذه الظروف حرام شرعا ، ومن الطبيعى أن نقول للدكتور مرسى حافظ القرآن نفس القول : إنه حرام شرعا !
لقد استمعت بنفسى لخيرت الشاطر يصرح لفضائية قائلا : إن علاقتنا مع الولايات المتحدة علاقات استراتيجية ، لأنها هى التى ستقدمنا للعالم . واعتبرنا مثل هذا الكلام على سبيل المناورة . ولكن المجال يضيق الآن عن الأخذ بتفسير المناورة ، ولكننا سننتظر قليلا دون تصعيد ونحن نتمنى أن نكون على صواب : إن الاخوان يناورون مع الغرب لحين تثبيت أقدامهم ، لإقامة مشروع النهضة الاستقلالى ، وليس لتثبيت أنفسهم وجماعتهم. ولكن حتى إن كنتم تناورون فإننا غير ملزمين بهذه المناورة المفترضة ، كما أن إبرازنا للموقف الشرعى الصحيح يساعدكم إن كنتم بالفعل تناورون !
ونعود للتعاون الاقتصادى مع العالم الخارجى . وفقا لضوابط الشرع فإن أصل العلاقات الخارجية هى مع العرب والمسلمين كدائرة أولى إجبارية ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ثم كل الأمم الشرقية والغربية التى لم ترسل قوات لاحتلال بلاد المسلمين ، وتشريدهم من ديارهم ، أو المعاونة على ذلك : وسنجد عشرات من الأمم فى كل قارات الأرض تدخل فى هذا الإطار .  وتبقى الدائرة الثالثة والأخيرة وهى دائرة المحاربين . وحتى مع هؤلاء يمكن التعامل معهم بالقطعة تحت بند المستأمنين ، أى مواطنى الدول المحاربة الذين يؤمن جانبهم . ولابد من تشجيع الدول الغربية على الانسحاب من أفغانستان والابتعاد عن اسرائيل لرفع مستوى العلاقات معها .
لابد من ملاحظة أن انخفاض وتيرة الحروب فى السنوات القليلة الماضية يرجع أساسا لنجاح مقاومتنا فى فلسطين والعراق ولبنان وافغانستان فى صد العدوان أو تكبيده خسائر فادحة ، ولابد أن يلاحظ المعتدون أن علاقتنا تتحسن معهم بقدر توقفهم أو تراجعهم عن العدوان حتى وإن كان بسبب صمودنا . ولقد جاءوا بأوباما كستار لتحقيق بعض الانسحابات خاصة فى العراق. وإذا فاز رومنى فسيكون ذلك إيذانا بالعودة إلى التصعيد من جديد. ولكن فى تقديرنا أن الولايات المتحدة ستظل تعيش مرحلة الهبوط وستكون غير قادرة على اجتياحات مسلحة واسعة النطاق فى البلاد العربية والاسلامية ، لأنها اختبرت فاعلية المقاومة الشعبية المسلحة فى بلادنا.
إن الانتفاضة التى شهدها العالم الاسلامى خلال الأيام الماضية نصرة لرسول الله ، انتفاضة تخلع القلوب ، فلم يحدث أن السفارات الأمريكية قد اقتحمت بكل هذا الكم من الاقتحامات فى يوم واحد ( أقصد يوم الجمعة الماضى ) . إنه بركان الغضب الذى انفجر ليس بسبب الفيلم وحده ولكن لكل تراكمات الظلم الأمريكى .
لكن أولويات مرسى والاخوان غير واضحة حتى الآن : إنهم يحاولون استرضاء أمريكا والاعتذار لها وتبرئة الأمريكان من جريمة الفيلم ، وكأن مشكلتنا مع النظام الأمريكى متعلقة بالأفلام . فلم يعد لنا مشكلة معها فى الأقصى والقدس واختراق البلدان العربية والاسلامية للسيطرة عليها من الداخل . كأن أمريكا غير مسئولة عن جرائم المخلوع فى حق مصر والشعب المصرى ، وعن الأمراض التى فتكت بالشعب ، ومنع مصر عن التقدم التكنولوجى والقوة بل وحتى عن حقها فى الاكتفاء بالغذاء . وإذا كان مشروع خيرت الشاطر ( الذى كان اسمه مشروع النهضة ) سيعتمد على التعاون مع أمريكا ، فسيكون فى ذلك مضيعة للوقت ، لأننا جربنا هذا الخيار واكتوينا به أكثر من 30 سنة .
وبعد الضوابط الشرعية المشار إليها فى العلاقات الدولية ، فإن اللجوء للاستثمار الأجنبى لايصلح كحل لتحقيق قفزات  تنموية محددة ، فهذه لاتتحقق إلا بالاعتماد على سواعدنا وفقا لخطة وطنية ثم تستدعى الاستثمار الجنبى ليسد هذه الثغرة أو تلك فى الخطة إما لنقص فى التمويل أو الخبرة . ولكن مسألة الترحيب العام بالاستثمار العربى أو الأجنبى فى أى مجال تحت شعار الحركة بركة ، فهذا هو المنهج الاقتصادى الفاشل فى عهدى السادات ومبارك . سيفيد جزئيا ، سيوفر بعض فرص العمالة سيحدث بعض الانتعاش الاقتصادى المؤقت ، ولكنه سينهار سريعا . لأن القفزات التنموية تعتمد على مجموعة مترابطة من المشروعات التى ترفع المستوى الاقتصادى العام إلى نقطة أعلى . ولايمكن الاطمئنان إلى ذلك حتى الآن . فالرئيس مرسى على كثرة اجتماعاته لم يعقد أهم اجتماعات . ولم يشكل أهم تشكيلات . لم يشكل مجموعة لوضع خطة التنمية لفترة محددة ولتكن خمسية أو رباعية ، على أن يكون الصناعيون فى قلب هذه اللجنة العليا للتنمية . نعم لقد عقد لقاء مع مجموعة من رجال الأعمال ربما غلب عليهم العاملون فى التجارة والصناعة الخفيفة . المطلوب لقاء مع الصناعيين وحدهم لحل مشكلات الصناعة الملحة ، ثم تمثيل اتحاد الصناعات فى اللجنة العليا للتنمية . بعد 19 شهرا من الثورة لاتزال مؤشرات الصناعة مفزعة : 1570 مصنعا متوقفا أو متعثرا ( تصريح لوزير الصناعة ) . برنامج مرسى الانتخابى لا يوجد به رؤية استراتيجية للصناعة ، بل ورد ذكرها عرضا ضمن أنشطة القطاع الخاص ! حتى عندما تحدث عن التنمية القطاعية لم يعتبر الصناعة قطاعا. ولكنه تذكرها فى المحليات وذكر عناوين مشروعات صناعية فى المحافظات . ليس هذا هو المهم الآن . المهم هل الرئيس مرسى والاخوان يدركون أن الصناعة هى قاطرة التقدم والتنمية ولحل مختلف مشكلات مصر أم لا ؟ وإذا كان ذلك كذلك فيجب أن نعتمد على سواعدنا أولا ، ثم تأتى المساعدات والمعاونات الخارجية تالية ومكملة ومساعدة . لأنه لاتوجد دولة صناعية فى العالم ستعطيك سر صنعتها كى تستغنى عنها !!
وهذا ينقلنا إلى الاجتماع الثانى الذى لم يعقده د. مرسى حتى الآن ، وهو الاجتماع مع كبار العلماء والباحثين لوضع الخطوط العريضة لخطة البحث العلمى ، وتأسيس المجلس الأعلى للبحث العلمى ، وقد علمت أن هذا المجلس موجود ويرأسه رئيس الوزراء ولكنه لايجتمع !! والمطلوب الآن تفعيله وإعادة النظر فى تركيبته ، لتضمن التمثيل المتوازن لكل القطاعات البحثية لأنها لايمكن أن تظل تعمل كجزر معزولة ، بل يتعين أن تعمل كوحدات متكاملة ، ووفقا للخطة الخمسية المقرة فى اللجنة العليا للتنمية .
كذلك اكتشفت مؤخرا وجود مجلس أعلى لتنمية سيناء برئاسة وزير الكهرباء السابق ( يونس )  تم تأسيسه فى يناير الماضى ولكن يبدو أنه يعمل سرا تحت الأرض ، أو بالأحرى لايفعل شيئا . علمت ذلك خلال لقاء مع رئيس مجلس الشورى د. أحمد فهمى ومجموعة من القيادات السياسية ، وطالبت برئاسة مختلفة وروح جديدة ، ولكن لم نسمع عن تشكيل جديد ولا تنشيط للقديم . ثم سمعنا عن تخصيص مليار جنيه لمشروعات سيناء ، وهذا شىء مذهل . فهذا رقم تافه يصلح لبعض الاسعافات . فهل أصبحت الخطط الجادة حلما بعيد المنال . وبطبيعة الحال لايمكن أن يعمل مجلس لتنمية سيناء بدون خطة أشمل لمجلس تنمية مصر . وإذا كان مرسى يراهن على حركة السوق والاقتصاد الحر ، وإذا كانت هذه فكرة الاخوان عن التنمية فنحن أمام خطر داهم . فكل التجارب التنموية الناجحة قامت على تدخل كثيف للدولة لتوجيه الموارد وتحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية ، وهذا يتطلب خطة تنموية مركزية حتى فى إطار الاعتماد الكبير على القطاع الخاص ، لأنه يتعين مشاركة القطاع الخاص فى هذا المجلس الأعلى للتنمية ، سيشارك فى التخطيط وسيضمن بذلك أرباحه ولكن فى إطار الأولويات المتفق عليها لمصلحة الوطن . وإذا درستم تجارب النمور الآسيوية وغيرها ستجدون أن المشاركة الكثيفة للدولة فى التنمية ومن خلال التخطيط كانت قاسما مشتركا لهذه التجارب جميعا.
نحن نريد لتجربة مرسى والاخوان أن تنجح لأن البلد لايتحمل بسهولة تجربة فشل جديد ، لذلك نحن مخلصين فى النصيحة  ، ومن ضمن الاخلاص فى النصيحة عدم التهاون مع الهفوات ولا مع الأخطاء الكبرى .
ونسأل الله العلى القدير أن يوفقنا إلى مايحبه ويرضاه .
magdyahmedhussein@gmail.com

Thursday, September 13, 2012

مجدي أحمد حسين يكتب :"بريتش بتروليم" تسرق غازاً مصرياً بـ 35 ملياراً ثم نشتريه منها بـ 30 مليار دولار!



الاتفاقيات الجائرة أهم سبب لارتفاع حجم دعم المشتقات البترولية
كنت أود مواصلة عرض الرؤية الشاملة لحزب العمل فى مجال التنمية المستقلة، ولكن اعترضت طريقنا مسألة تجديد صفقة البريتش بتروليم بخصوص الغاز الطبيعى فى أعماق البحر المتوسط. وهذه المسألة خطيرة لتعلقها بأبرز مصادرنا الحيوية فى مجال الطاقة، ولأن البلاد تعرضت خلال عهد المخلوع لعملية نهب واسعة النطاق فى هذا المجال: الغاز والزيت. ولا يعد تناول هذا الموضوع خروجا عن سياق اهتمامنا بإبراز منهج وطنى مستقل للتنمية، بالعكس فنحن أمام حالة تطبيقية تؤكد أن الإخوان المسلمين لا يملكون رؤية إستراتيجية واضحة لعملية التنمية (كما اعترف بذلك خيرت الشاطر حين هوّن من مشروع النهضة). بل المصيبة أن الخطة الواضحة لهم حتى الآن هى الاستمرار على نفس المنوال السابق، فيما عدا اتخاذ موقف من الفساد. وهناك مؤشرات واضحة على ذلك من خلال التغييرات الموفقة فى وزارة العدل والرقابة الإدارية وجهاز المحاسبات. ولا شك أن وقف صنبور الفساد خطوة أوليّة وأساسية للإصلاح وإن كنا لا نزال فى بداية الطريق، والأموال المنهوبة والضائعة فى الخارج لا تقل عن 200 مليار دولار، وفى الداخل لا تقل عن تريليون جنيه. ولكن أيضا يجب اعتبار هذا المصدر: استعادة الأموال المنهوبة فى الداخل والخارج مصدرا بديلا للأموال المطلوبة لسد العجز فى الميزانية بدلا من الاقتراض الداخلى والخارجى، حتى ونحن نستردها بالتدريج وعلى دفعات، لأن قرض الصندوق التافه القيمة (أقل من 5 مليارات دولار) سيأتى بدوره بالتدريج ولن نستلم أول دفعة منه قبل 4 شهور تقريبا. تجفيف منابع الفساد لا يكفى بل لا بد من سياسات جديدة تستعيد المبادرة الاقتصادية للأمة من الأجانب.
فالخراب الذى حدث فى عهد المخلوع لم يكن بسبب الفساد فحسب؛ بل أيضا بسبب سياسات الصندوق الدولى، وسيطرة الأجانب الغربيين على مفاصل اقتصادنا، ومن أهمها: قطاع البترول. نحن إذن أمام ضربة موجعة ثانية فى الرأس بعد قرض الصندوق. حيث أعلنت شركة بيتش بتروليم عن إنفاق 11 مليار دولار لإنتاج الغاز فى أعماق البحر المتوسط وفقا للاتفاق القديم!! وتم زفّ الخبر باعتباره علامة على الثقة فى الاقتصاد المصرى وعلى مبشرات النهوض الاقتصادى. وعامة الناس لا تعرف ما هو الاتفاق السابق الذى تم تفعيله مع الشركة البريطانية بعد لقاء مع الرئيس مرسى، ولا ندرى هل تمكن الرئيس من دراسة الموضوع مليّا؟
القصة طويلة، ولكننا نبدأ من آخر تعديل للاتفاقية فى عام 2010. الثابت فى تاريخ اتفاقاتنا البترولية أن الشريك الأجنبى يحصل على 30 إلى 40% من الإنتاج لتغطية نفقات البحث والإنتاج، ثم يحصل فى حدود 10 إلى 12% من الإنتاج كأرباح، وتحصل مصر على الباقى. فى هذا التعديل اللعين حدث شىء خارق ما يزال معروضا على القضاء حتى الآن، فقد أصبح نصيب الأجنبى 100%!
وينص التعديل الأخير فى 2010 على تنازل مصر عن حصتها كاملة ليصبح نصيب المقاول «أى الشركة البريطانية» 100% من الغاز المنتج والمتكثفات بدلا عن 64% على أن تقوم الدولة «ممثلة فى الهيئة العامة للبترول» بشراء كامل الإنتاج وذلك بسعر تقريبى حوالى 4 دولارات للمليون وحدة حرارية من الغاز، أما المتكثفات فسعرها هو سعر برميل الزيت الخام من مزيج برنت حتى مستوى 140 دولارًا، أما أعلى من ذلك فله معادلة خاصة، كما تتحمل هيئة البترول كافة الإتاوات والضرائب نيابة عن الشركة. وهذا نوع من التجرمة والسرقة لم تحدث فى التاريخ المعروف لاتفاقات البترول فى مصر بالتأكيد من قبل. فهذا استيلاء على غازنا المصرى كله، ثم تعود الشركة لتبيعه لنا بأسعار أعلى من سعر التصدير، فنحن نشترى بـ4 دولار ثم نصدره لإسرائيل بـ2 دولار. أى نصدره بدعم عال وندفع نحن الدعم للمستهلك الصهيونى. ولم يقتصر الأمر على إسرائيل بل امتد لإسبانيا وفرنسا دون أن تحقق مصر أى ربح!!
وقد قدر الخبراء قيمة هذه الاحتياطيات التى وافقت مصر على التنازل عنها للشركة البريطانية كما يقول الدكتور إبراهيم زهران بـ35 مليار دولار، ثم تعود مصر لتشتريها بعد الإنتاج بما فى ذلك الحصة المفترضة (قبل التعديل) لمصر بـ30 مليار دولار، وتكون مصر بذلك قد دفعت 65 مليار دولار للحصول على غازها الذى كان من المفترض أن تحصل عليه مجانا!!!
ولاحظ أن الاتفاق الجائر وكأنه عقد إذعان، وكأنه قد كتب والمسدس موجه للمفاوض المصرى، ينص أيضا على قيام الحكومة المصرية بدفع الضرائب نيابة عن الشركة الإنجليزية بنسبة 15%، فالشركة تربح ومصر تدفع ضرائب الأرباح!! وتدفع الحكومة أيضا 10% ضريبة حق الملكية للأرض!!
والواقع لقد تم تمرير هذا الاتفاق الفاسد فى مجلس الشعب لصالح الأسرة الحاكمة (يقال مجدى راسخ حصل على العمولات من دم هذا الوطن) فلماذا يا د. مرسى لا توقف هذه المأساة؟! وتلغى التعديل المشبوه الذى حدث فى الأيام الأخيرة للمخلوع، ولماذا تظل مصر تدفع ثمن هذا الاتفاق الجائر والذى نلخصه من جديد فى: الاستيلاء الكامل على الغاز المصرى وإعادة تصديره لمصر بالسعر الدولى، وبما يجعله أقل من سعر التصدير وبالتالى تقوم مصر المنهوبة بخدمات إنسانية لشعوب إسبانيا وفرنسا والأردن (بعد وقف التصدير لإسرائيل) دون الشعب المصرى!!! بل هذه الاتفاقات الجائرة هى سبب ارتفاع حجم الدعم الموجه للمشتقات البترولية لأننا نشترى بترولنا الخاص بالأسعار الدولية!!
عندما حدث هذا التعديل المشئوم فى 2010 كنت فى السجن، ولم أستطع صبرا، فكتبت مقالا يصرخ فى البرية: أنقذوا ما تبقى من مصر، وقد نشر فى الإنترنت بموقع العمل وفيس بوك، وأعيد نشره لمزيد من توضيح القضية، وكجرس إنذار، فنحن لا نريد لمرسى أن يسير فى هذا الطريق. القبول بتجديد الاتفاقية أشعرنى بتوقف الزمن والعودة للوراء، والموت أهون من ذلك. وفيما يلى نص المقال:
منذ 20 سنة قاتلت ضد حصول الأجنبى على 40% من بترولنا.. واليوم يحصل الأجنبى على 100%!
نعم.. نحن ندافع بأقلامنا وأجسادنا ونحن عزل بلا سلاح عمّا تبقى من الوطن الذى مزقوه شذر مزر، ندافع عن فكرة الوطن، لأن الوطن لم يعد موجودا، ولكن إذا استعاد الشعب فكرة الوطن فيمكن بسهولة استدعاء الوطن من جديد. فالوطن هو مكان للسعادة المشتركة، الوطن هبة الله الكبرى التى أعطاها لنا، ولا نستطيع أن نحيا بدونها، وهو جزء لا يتجزأ من شرفنا وكرامتنا، وكل حبة رمل، أو نقطة نفط، أو قطرة ماء فيه لها قيمة مضاعفة، فهى مالنا وثروتنا التى نعتز بها، وهى أيضا وسيلتنا للحياة الشريفة، وبالتالى فإن تبديد مكونات الوطن خيانة، وأيضا أقصر الطرق لانعدام البركة، وفتح الباب للتبعية والتسول من الأجنبى. ورغم كل ما ضاع من البترول على مدار 30 عاما (البترول ينقسم علميا إلى غاز وزيت، ولكن الشائع أن البترول هو الزيت وكأن الغاز شىء آخر, وهذا خطأ, فالغاز بترول ولكن فى صورة غازية) رغم كل ما ضاع من البترول على مدار 30 عاما، ومعظمه تم تبديده على إسرائيل، حيث حصلت على الزيت بلا حق فى كامب ديفيد، وبسعر أرخص من السعر العالمى بـ5 دولارات فى كل برميل، وحيث كانت إسرائيل -ولا تزال- هى المستورد الأول أو الثانى للبترول المصرى كل عام، حتى جفت آبار سيناء والبحر الأحمر أو كادت, وظل حجم الإنتاج فى تراجع، وكانت إسرائيل تستغل آبار سيناء خلال سنوات الاحتلال (1967-1982)، ورغم كل ما ضاع من البترول على مدار 30 عاما فى شكل صفقات تصدير للغاز رغم احتياجنا له. ورغم أن الأمر وصل للمزيد من التلاحم مع العدو الصهيونى بتوريد الغاز المدعم الرخيص، وكل كارثة أكبر من أختها. بهذه الصفقة يكون اللصوص قد سرقوا أهم ما فى البيت (الوطن) أغلى سلعة (الطاقة) وأغلى قيمة (الشرف), لقد احتل اللصوص الصالة وغرفة النوم وأغلب غرف المنزل، ونحن ننوى طردهم بإذن الله, ولكننا ما نزال نستجمع قوانا، وأثناء فترة استجماع قوانا، هجم اللصوص على الباب الخلفى ودخلوا المطبخ والحمام، ولا غرو أن الصالة والحديقة وغرفة النوم أهم, ولكن الواجب أن نحاول صد هذا الهجوم الجديد على البيت من الخلف، رغم أن المجوهرات كانت فى غرفة النوم وسُرقت، ولكن ليس معنى ذلك أن نوافق على احتلال المطبخ.
كل هذه المقدمة هى اعتذار لأننى أريد أن أهاجم آخر اتفاقيتين مع شركة بريتش بتروليم (الإنجليزية) فمن كثرة الكوارث أصبح الحديث عن كارثة جديدة يثير حالة من التبلد، عند المتحدث والمستمع على السواء! عندما كنت عضوا فى مجلس الشعب خضت معركة بصورة منفردة تقريبا لم يساندنى فيها إلا عضو من حزب الوفد (مرة واحدة) وعضو فى الحزب الوطنى (مرة واحدة), أعنى معركتى مع عبد الهادى قنديل وزير البترول حول تساهله مع شركات البترول الأجنبية، أما الإخوان المسلمون فإن د. عصام العريان وقتها قال إنه على الحياد, فإنه يتابع السجال بينى وبين قنديل دون أن يحدد موقفا، وقال ذلك عندما طالبه د. رفعت المحجوب رئيس المجلس بالإعلان عن رأيه، أما د. محمد حبيب فقد تطوع وطلب الكلمة وأعلن انحيازه لعبد الهادى قنديل، من واقع أنه (أى حبيب) أستاذ جيولوجيا. المهم فى هذا السجال كانت إحدى نقاط هجومى واعتراضى هو رفع نسبة الإنتاج المخصصة لسد نفقات إنتاج الشركات الأجنبية, وأنها تزايدت حتى أصبحت ما بين 30-40% وفى مجموعة اتفاقيات كانت نسبة الشريك الأجنبى 30% عدا اتفاقية واحدة ارتفعت فيها النسبة إلى 40%, وطلبت من الوزير عبد الهادى قنديل أن يوضح سبب الارتفاع فى هذه الاتفاقية, وفوجئت وفوجئ المجلس معى أنه قال إنها غلطة مطبعية, وأن نسبة تغطية النفقات هى أيضا 30% فى هذه الاتفاقية, وتم تعديل النسبة فى المجلس, وأثبتت بالمضبطة, وأذيع هذا الحوار فى التلفزيون على قلة ما كان يذاع لى, ومعنى هذا أننى إذا لم أتحدث لتمّ إقرار الاتفاقية هكذا على أساس 40%!! كانت هذه الواقعة فى عام 1988 أو1989, وبعد أكثر من عقدين من الزمان, عشنا وشفنا إقرار اتفاقية مع بريتش بتروليوم تسمح لها بالحصول على كامل الإنتاج أى 100% ولمدة 35 عاما, ومن أجل الدقة أقول إن الاتفاقيات القديمة كانت تخصص 30% من الإنتاج لحساب سد النفقات ثم يحصل الطرف الأجنبى على 20% من صافى الإنتاج, أى بعد سداد قيمة نفقات البحث والتنقيب والإنتاج. أما فى هذه الاتفاقية الجديدة فتحصل بيريتش بتروليم على كل الإنتاج، على أن يقوم الجانب المصرى بشراء الإنتاج من الطرف البريطانى بأسعار السوق العالمى. وهكذا أصبحنا نستورد بترولنا المصرى بدفع سعره بأسعار السوق، رغم أنه منتج على أرضنا. وعندما كنت أتبارز مع الوزير عبد الهادى قنديل منذ عشرين عاما حول شروط الاتفاقات الأجنبية لم تخطر على بالنا هذه الشروط الإذعانية المجحفة، لا أنا ولا حتى عبد الهادى قنديل نفسه. ولكننا نسير فى نفق مظلم، كل مرحلة أشد إظلاما من سابقتها، أو فى منحدر يتجه نحو الهاوية, وتزداد سرعة الانحدار مع الزمن. ترى هل سنتمكن من إنقاذ عدد من الآبار البترولية قبل أن ينتهى هذا العهد. أم أن هذا العهد سيستمر حتى تجف كل الآبار، وحيث لن تنفعنا محطة الضبعة النووية وحدها فى سد الفراغ، وستكون الكارثة أكبر عندما تعتمد محطة الضبعة المزعومة (حتى الآن) على وقود نووى مستورد!! المهم أنه بينما يتجه بترولنا للنضوب، ها هو الكيان الصهيونى بعد أن استنفد طاقة مصر يكتشف الغاز الطبيعى فى سواحل فلسطين البحرية، وهكذا أوصلنا الصهاينة لبر الأمان.
سجن المرج : 2010
الصناعة هى الحل
أخجل عندما أتحدث كثيرا فى الندوات والمؤتمرات الجماهيرية عن أهمية الصناعة، وأنها هى مفتاح حل كل مشكلات مصر الاقتصادية. أخجل لأن البشرية حسمت هذا السؤال منذ أكثر منذ عدة قرون عندما أطلقت ما سُمى الثورة الصناعية، ولعل ذلك فى القرن الثامن عشر الميلادى. ولعل فى ذلك فرية مشهورة أو إشارة لقفزة ما فى وسائل الإنتاج، وإلا فإن الصناعة قديمة قدم الانسان، والحضارة المصرية القديمة ومختلف الحضارات الأخرى شاهدة على ذلك. ولكن إذا أخذنا المفهوم الإصطلاحى للصناعة الحديثة فسنجد أول محاولة جادة فى مصر كانت فى عهد محمد على، أى منذ 200 عاما، والموجة الثانية ارتبطت بثورة 1919 وطلعت حرب، والموجة الثالثة والأخيرة ارتبطت بعبد الناصر. ومنذ 40 عاما خرجت مصر من السباق الحضارى والعلمى والصناعى. بينما لم يعد الحديث يجرى عن أمم متحضرة أو متقدمة إلا فى علاقة ذلك بالصناعة، والأمة التى لم تتحول اقتصاديا إلى حد يمكن تسميتها بالصناعية فهى أمة متخلفة أو متسولة تعيش على هامش التاريخ، تنظر إليها البشرية نظرة إشفاق أو احتقار أو لامبالاة. البلاد التى لم تعد تستحق وصف الدولة الصناعية أصبحت محدودة فى العالم أكثرها مع الأسف فى إفريقيا وقليل جدا فى أسيا وأمريكا اللاتينية. فى بلادنا وفى البلاد العربية توجد بعض الصناعات أو المصانع المتناثرة التى لا تمثل منظومة متكاملة مع نفسها أو مع المحيط الاقليمى أو العالمى. ولا تمثل الصناعة القطاع الرائد للاقتصاد. وأخجل عندما أكرر هذه الدعوة للاهتمام بالصناعة فى القرن الواحد والعشرين وفى بلد مهم كمصر، لأنى أجد النخبة والإعلام لا يتحدثون فى هذا الموضوع، حتى عندما يتحدثون فى الاقتصاد!!
وعندما أبدأ الحديث أخشى أن يقاطعنى أحد المستمعين قائلا : ما هذا الحديث عن هذا الأمر البديهى؟ ولكننى ألاحظ اندماج المستمعين معى وكأننى أتحدث فى موضوع مشوق غائب عن الأذهان، وأنا بالفعل أحرص على تطعيم حديثى ببعض من آخر المعلومات المبهرة فى عالم التكنولوجيا.
أقصد أن ألوم النخبة المشغولة بكثير من الموضوعات البديهية أيضا ولكن الأقل أهمية، ولا أقصد فى الثرثرة السياسية التى غرقنا فيها بفضل الفضائيات وفيس بوك، وهذا ما وقع فيه كثيرون بالفعل. إنما أقصد إهمال الحديث عن الصناعة حتى أثناء الحديث عن الاقتصاد! وهذه هى مقدمة مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.
magdyahmedhussein@gmail.com

Sunday, September 9, 2012

مجدي أحمد حسين يكتب: لا.. بل هناك شروط لصندوق النقد وتتجهون للموافقة عليها

النهضة المستقلة قرار حرب يجب تجييش الشعب من أجل الانتصار فيها
 كيف تحدى غاندى الإمبراطورية البريطانية بـ"مغزل يدوى وجلابية ومعزة" وانتصر عليها والآن الهند فى نادى الدول العظمى والنووية والفضائية
دعوكم من إلهام شاهين والعكش والحامض وتعالوا نقيم وادى السيلكون!

أواصل ما بدأته فى المقال السابق. لقد وصلنا إلى مفارق طرق حاسمة، وصلنا بعد الانتهاء من ازدواجية السلطة والخلاص من حكم العسكر إلى مرحلة جديدة: وهى مرحلة الانعتاق من العبودية للحلف الصهيونى الأمريكى. والاستقلال من حالة العبودية هذه لا يحتاج إلى إعلان الحرب بالمعنى العسكرى أو إعلان إلغاء كامب ديفيد، أو إصدار بيانات ساخنة. إنه يحتاج إلى العمل الجاد الصابر الدءوب فى تحقيق تنمية اقتصادية مستقلة، دون استئذان أحد أو التشاور مع أحد من الخارج. إنما نعمل ما تمليه علينا مصالحنا الوطنية وفقا لرؤيتنا. وبالتالى فإن معركتنا من أجل الاستقلال هى على المحور الاقتصادى أو بالأحرى على محور التنمية بمعناها الشامل المركب، والحلف الصهيونى الأمريكى يعلم ذلك فالهدف معلن، ليس فى برنامج مرسى فحسب (النهضة) بل فى ضمير الثورة وشعاراتها، وفى طموحات كل المصريين. ولأنهم يعرفون هدفنا فإنهم يسعون لضربنا فى هذه الجبهة تحديدا. ومن هنا تأتى أهمية قرض صندوق النقد، ليس لأنه كارثة كبرى فى حد ذاته، بل لأنه مؤشر على طريقة تفكير أهلنا الجدد فى الحكم، التى نخشى أن تسير على منوال النظام القديم فى هذه الجبهة تحديدا، لأنهم يركزون على انتشار الفساد فى الأداء الاقتصادى السابق بأكثر من الحديث عن ضرورة إقرارا سياسات جديدة. وقصة مشروع قرض الصندوق -وبالمناسبة فهو لا يزال مشروعا لم يوقع عليه الطرفان بعد- قصة هذا القرض طريفة جدا. فنحن نرى أمريكا على لسان أكبر مسئول فيها، ثم نرى الغرب على لسان حكام الثمانية الكبار يطاردون مصر من أجل إعطائها الأموال الطائلة فى صورة منح أو قروض، ووصل المزاد إلى حد الحديث عن 45 مليار دولار تعطى لدول الربيع العربى الثلاث: مصر وتونس وليبيا. ويفهم من ذلك أن مصر كان سينوبها قرابة 30 مليار دولار فى هذه الهيصة. ثم بدأ الحديث عن قرض الصندوق، وقمنا مع كل الوطنيين فى ذلك الوقت بحملة إعلامية ضد هذا القرض فى ظل حكومة شرف، وفوجئنا بموقف مشرف من المجلس العسكرى (وسأظل أذكر الحقيقة مهما كان الخلاف مع المجلس العسكرى السابق) برفض الاستدانة، وتم إيقاف التفاوض حول القرض. ثم عاد الموضوع ليطرح فى ظل حكومة الجنزورى، وللجنزورى علاقات تاريخية مع الصندوق، وفى هذه المرة صمت المجلس العسكرى ورفض الإخوان القرض أو عرقلوه. ولكن موضوع القرض يظهر من جديد كعفريت العلبة فى عهد مرسى، ويطرح نفسه وكأنه الحل الوحيد لأزمتنا الاقتصادية أو للعجز فى الموازنة. وتتجه الحكومة للموافقة عليه.
الملاحظة المهمة فى هذا الصدد أن الممول وهو أمريكا والغرب هم الذين يطاردون مصر كى تأخذ بعض المليارات. الممول (المقرض) هو الذى يطارد المقترض ويستجديه ويسد عليه المنافذ لكى يقبل، ويقسم عليه بالأيمان المغلظة: والله يا شيخ تأخذ كم مليار على ما قُسم!! خلاص المليارات خرجت ولن ترجع!!. هل قابلت مثل هذا الشخص فى حياتك ؟! وقد ذكرتنى هذه المطاردة وهذا الإلحاح باعترافات القرصان الاقتصادى جون بيركنز الذى أشرت إليه فى العدد الماضى، وعثرت على نسخة من كتابه أخيرا؛ فهو يؤكد أن مقياس نجاح الخبير(فى المنظمات الدولية) يتناسب طرديا مع حجم القرض، بحيث يجبر المدين على التعثر بعد بضع سنوات. ويقول المتحدثون باسم الرئاسة والحكومة إن القرض لا شروط له وإن فائدته 1 % فقط، وظهر من الفقهاء ومن العاملين فى حقل السياسة من يقول إن هذه النسبة هى لتغطية المصروفات وليست من قبيل الربا والعياذ بالله. والحقيقة فإن المعارضة الجادة للقرض لم تثر حكاية الربا لأن موضوع المعاملات الربوية لم يفتح بعد، وهو يحتاج لإعادة نظر شاملة فى العلاقات والمعاملات المصرفية، ونحسب أن هذا غير مطروح فى هذه المرحلة على الأقل، وإن إثارة قضية كبرى كالربا والفوائد البنكية لا يجوز أن تطرح أو تناقش عرضا بخصوص قرض واحد، بينما كل المنظومة المصرفية لبلادنا نفسها مختلطة بالربوية. وكذلك كل علاقاتنا المصرفية الإقليمية والدولية. أما فيما يتعلق بانعدام الشروط فهذه نغمة لا يجوز أن تطرح بعد الثورة. فقائل هذا الكلام إما أنه خادع أو مخدوع. ونحن لا نحب ذلك لحكامنا الجدد. لا توجد قروض غربية ومن الصندوق الدولى بدون شروط سياسية واقتصادية. بعض المتحدثين باسم الحكومة اعترفوا ضمنا بالحقيقة حين قالوا إن هناك برنامجا إصلاحيا للحكومة فى كل الأحوال. ويفهم من ذلك أن شروط الصندوق لا تتعارض مع خطة الحكومة وهذا خطر أكبر، وسمعناه فى بعض التصريحات كرفع الدعم عن المشتقات البترولية، وكذلك التفكير فى رفع الدعم عن الرغيف، ولا شك أن الاتجاه لإنتاج رغيف العشرة قروش خطوة فى هذا الطريق. ورفع الدعم هى الأغنية الرديئة التى صدعنا بها نظام المخلوع والمجموعة الاقتصادية لابنه جمال، وقد رفعوا بالفعل أسعار مشتقات البترول بصور مباشرة وغير مباشرة، وكأن هذه هى مشكلة مصر الأولى.
وحول قضية الدعم قلنا فى الرؤية الإسلامية لحزب العمل والذى صدر فى الأيام الأخيرة للعهد البائد ما يلى:
 الدعم أحد أدوات الدولة فى التدخل فى العملية الاقتصادية للصالح العام، وبالتالى فإن سياسة الدعم تختلف من مرحلة لأخرى ومن بلد لآخر، ومن قطاع لآخر، وما يكون صالحا لمصر فى عام 2000 قد لا يكون مناسبا لعام 2010 وهكذا. ولكننا نتناول القضية من زاوية اللغط الذى تثيره الحكومة المصرية بين آن وآخر حول مسألة رفع الدعم؛ لأن حجمه المالى فى ازدياد مستمر، فقد وصل مؤخرا لقرابة مائة مليار جنيه سنويا، وهو ما يؤدى من الناحية الظاهرية إلى عجز فى الموازنة العامة. ورفع الدعم أحد محاور روشتة صندوق النقد الدولى فى إطار التخفيف المستمر لدور الدولة فى الاقتصاد. وقد أدت الضغوط فى هذا المجال على مدار العقدين الماضيين إلى رفع مستمر وتدريجى للدعم، وهو ما أدى إلى ارتفاع مستمر فى أسعار السلع والخدمات الضرورية، وهذا هو السبب وراء ارتفاع أسعار المياه والكهرباء والنقل العام بما لا يتوازى مع دخول المواطنين، كما أدى إلى الارتفاع المستمر فى أسعار الخبز والوقود والدواء والخدمات التى من المفترض أن تكون مجانية وفقا للدستور (التعليم والصحة).
ويبدو رقم الدعم كبيرا بسبب النمو السلحفائى للاقتصاد، فالمشكلة الكبرى فى الحجم الكلى المتدنى للاقتصاد، وليس فى حجم الدعم. وأيضا المشكلة فى انعكاس فشل التنمية الاقتصادية مع عدم العدالة فى التوزيع، على انخفاض دخول معظم المصريين بما لا يسمح بالاستغناء عن الدعم.
ومسألة الدعم مؤشر بالغ الأهمية على الازدواجية المعيبة التى يتبعها الغرب معنا، نحن وكل دول الجنوب، كما فى مسألة الخصخصة، فهو يدفعنا لرفع الدعم حتى تكون الأسعار متوافقة مع واقع التكلفة الاقتصادية، بينما سياسة الدعم مطبقة فى بلاد الغرب على نطاق واسع، سواء فى السلع أو الخدمات ومختلف أشكال الإنفاق الاجتماعى، بل إن البلاد الغربية تقدم دعما بعشرات المليارات للمزارعين، للحفاظ على ازدهار القطاع الزراعى وخفضا لأسعار التصدير، كما يظهر الدعم الحكومى فى قطاعات التعليم والصحة. إذن لا توجد سياسة رشيدة اسمها إلغاء الدعم، فالدعم الحكومى للسلع والخدمات سيظل أحد أدوات التدخل الحكومى لضمان العدالة الاجتماعية وحد أدنى من الرفاه للشعب. ولكن الدعم يختلف حجمه ونطاقه -كما ذكرنا- من دولة لأخرى ومن زمن لآخر، وهذا المبدأ من القواعد المستقرة فى الاقتصاد الإسلامى الذى يستهدف تحقيق حد الكفاية (لا الكفاف) للجميع.
وتقدم الحكومة مفاهيم مغلوطة فى هذا الموضوع، فتتحدث عن تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى، وهذا تلاعب بالألفاظ، فكيف ستحدد الشخص المستحق لهذا الدعم النقدى، والأهم من ذلك أن الدعم النقدى يعنى إطلاق السوق من عقاله، فهل كلما ارتفع سعر الخبز سيرتفع مبلغ الدعم النقدى؟! إذن نحن أمام إلغاء مستتر للدعم. كذلك عندما تحسب الحكومة الدعم للمواد البترولية فإنها تحسب ذلك بالأسعار العالمية، وهذه مغالطة كبرى، لأن هذه المواد منتجة فى مصر بأسعار أقل بكثير من الأسعار العالمية، وهذه الأخيرة ليست مقدسة، ولا أهمية لها إلا فى مجال التجارة الدولية، ومن المفترض ألا تكون معيارا بين الحكومة والشعب فى مواد تنتج وطنيا!! فالأصل أن البترول ينتج من أجل النهضة الوطنية، أما التصدير فيكون فى حالة الفائض، بل والفائض الكبير لأننا نتحدث عن سلعة إستراتيجية معرضة للنضوب. عندما تحسب الحكومة دعم المواد البترولية بالأسعار العالمية يبدو الرقم كبيرا جدا، ولذلك فهى تعلن أنها تتجه لإلغاء الدعم نهائيا على المواد البترولية!!
وكما ذكرنا فإن أحوال مصر الراهنة فى ظل انخفاض الدخول فى مقابل الأسعار فإن الأوضاع لا تحتمل رفع الدعم عن السلع والخدمات الضرورية، فوفقا لآخر تقرير صادر من البنك الدولى 2010 فإن قيمة الحد الأدنى للأجور فى مصر هى الأقل فى المنطقة العربية بأكملها)!
هذا ما صدر عن الحزب فى أواخر عام 2010 ولا يزال صحيحا حتى الآن من وجهة نظرنا، بل ونضيف ما هو أخطر إذ إن السعر المغالى فيه للدعم فى مجال البترول يرجع إلى الاتفاقات الجائرة التى تعطى 100% من بترولنا للشريك الأجنبى ثم نشترى منه ما نريد بالأسعار العالمية. وهذه الاتفاقيات هى التى يجب أن تراجع.
وهكذا نجد أن حكومة قنديل تتجه نفس اتجاهات الحكومات السابقة وأنها تخضع لشروط الصندوق تحت شعار: إننا نستهدف فى إصلاحنا الاقتصادى نفس أهداف الصندوق على أساس أن ذلك من محاسن الصدف!!. وقلت وأقول مرارا إن الخطورة ليست فى قرض تافه بمعايير الاقتصاد الدولى الآن فى حد ذاته، بل الخطورة كل الخطورة فى منهج التفكير فى الأمور الاقتصادية التى لا تدرك مخاطر التبعية، مع افتراضنا الدائم لحسن النية فى حكم مرسى، ولكن حسن النوايا ليس العاصم للبلاد وحده من المخاطر. فلا بد أن يتضافر حسن النية مع حسن التدبير.
التنمية المستقلة.. حرب حقيقية
أول مفاتيح مشروع التنمية المستقلة وجود قيادة وطنية سياسية حازمة تعلن خوض الحرب ضد التبعية والتخلف والفقر والمرض والجهل، وهى حرب حقيقية لأن هناك قوى داخلية وخارجية ستعمل على إحباط المشروع. داخليا فإن كل القوى المنتفعة بالنظام البائد والتى حققت مكاسب كبيرة من خلاله من مصلحتها أن تستمر نفس سياسات التبعية: سياسات الاستيراد والتوكيلات الأجنبية والسمسرة والعمولات والمتاجرة فى الأراضى والمضاربات العقارية ومضاربات البورصة، وكل ما يحقق الأرباح الطائلة السريعة بدون عمل أو مجهود حقيقى وبدون مخاطرة. والقوى الخارجية ستحارب مشروع التنمية المستقلة لأنه يخطف منها السوق الوطنى الذى احتكرته وسيطرت عليه، وأيضا لأهمية مصر الإستراتيجية التى أشرنا وسنشير إليها مرارا وتكرارا حتى لا ينسى الناس، ففى علاقات أمريكا والغرب مع مصر لا تتحكم الأرقام الاقتصادية فى القرارات فى المحل الأول، بل المهم أولا تحقيق إحكام السيطرة لهذا المارد المؤهل لقيادة الأمة العربية الإسلامية.
إنها حرب حقيقية وإن لم تكن بالدبابات والطائرات فهى ليست أخف وطأة بأى حال من الأحوال، ولكن بأساليب اقتصادية وباختراقات أمنية لإحداث الفوضى والفتن الطائفية، بما يكفل تعطيل مسيرة أى بلد. (علمت مؤخرا معلومات خاصة حول اكتشاف مجاهدى سيناء لعميلين إسرائيليين من أهل سيناء لهما صلة بالأحداث الأخيرة فى سيناء، وكانت إسرائيل قد قتلت مصريا بطائرة بدون طيار فى إطار محاولات إخفاء حقائق حول الدور الإسرائيلى فى مذبحة رفح). ولأنها حرب حقيقية فهى تستلزم حشد قوى الأمة من أجل المنازلة فى هذا الجهاد الأكبر: العمل الشاق.. الاعتماد على الذات.. القبول ببعض التقشف ولكن يشمل الجميع.. الحكام قبل المحكومين. لا أدرى هل تابع السيد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب الشرعى (ولا أقول المنحل!) زعماء الهند وهم يستخدمون السيارة الهندية المحلية التى لا تتسم بالجمال أو الفخامة، رغم أن الهند أصبحت دولة عظمى وتحتل المرتبة الرابعة عالميا فى الاقتصاد، وهى قوة نووية سلمية وحربية، ولديها مشروع فضائى متسارع. إنهم لا يركبون الـ"بى إم دبليو". هذه المظاهر مهمة جدا، وهى أكثر من رمزية لأنها تشحذ همم الأمة لتوفير كل مليم عن طيب خاطر، وأيضا تثير الروح الوطنية فى التمسك بالإنتاج الوطنى وإن كان أقل جودة مؤقتا. والآن فإن الهند تتقن صنع كثير من الأشياء فى مجال العلم والتكنولوجيا بنفس جودة دول الغرب.
وقد خاضت الهند معركة التنمية المستقلة والاعتماد على الذات أولا بمغزل غاندى المرسوم على علم الهند حتى الآن والناس لا تعرف ما هذه الدائرة؟ ولكن الشعب الهندى يعرف: المغزل اليدوى للاستغناء عن القماش الإنجليزى، وارتداء غاندى لإنتاج هذا المغزل من قطعة قماش بيضاء، وارتداء خف بسيط، ومعزة لشرب اللبن. وعندما ذهب غاندى لمفاوضة الإنجليز ذهب بهذا الزى البسيط إلى لندن بل وأخذ معه المعزة!! ولم يخش أن يتهم بأنه متخلف أو أبله، بل استقبل هناك بمنتهى الاحترام من الحكام ومن المواطنين الإنجليز.
وأتحدث الآن بمنتهى الثقة عن هذا النموذج لأن أحدا لن يستطيع أن يسخر منّى، فالهند الان اجترحت المعجزات فى مجال التنمية فى زمن قياسى رغم الفقر الذى اعتصر مئات الملايين. وسأكتب كثيرا حول ذلك وغيره من خبرات الشعوب الناجحة، ولكننى أتحدث الآن عن روح التحدى وإعلان الحرب وحشد قوى الأمة.
المطلوب الآن إعلان مجلس أعلى للتنمية الاقتصادية يتحول إلى مجلس حرب بمعنى الجدية وحالة الانعقاد الدائم والمتابعة الدقيقة لمفاصل تطبيق خطة التنمية، ولتكن خطة خمسية كما حدث فى مصر (1959 – 1964)، وكما حدث فى ماليزيا والهند وكوريا الجنوبية وغيرهم. وقد كان شعار حرب التنمية فى الهند (بناء الهند بأيدى الهنود). وكان لسائر الأمم شعارات إيثارية مماثلة (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) وهكذا. ويكون افتتاح مصنع جديد أشبه بتحرير جزء من الأرض المحتلة، وجزء من إعلاء شأن الوطن. ويواكب ذلك إعلام زكى فعال يغذى بالمعلومات الصحيحة التى تفيد فى هذه المعركة (محطات تلفزيونية فى الهند تخصصت فى إرشاد المزارعين والصيادين مثلا) وفن يرفع المعنويات ويربط شباب الوطن بالوطن الذى يستعيد بهاءه حتى يهرب الهندى من وادى السيلكون فى أمريكا (وادى التكنولوجيا الفائقة خاصة الإلكترونية) ليعود إلى وطنه الذى كان منذ سنوات قليلة مرتعا لكل صور البؤس والفقر والفاقة. ولينافس وادى بنجالور الهندى وادى السيلكون الأمريكى ولتسبق السينما الهندية سينما هوليوود الأمريكية من الناحية التجارية دون أن تنافسها فى العرى واستخدام الجنس. ما زلنا بعد عام ونصف العام من الثورة نجد الشباب ينتحر فى البحر المتوسط. ولا نلوم الحكومة الراهنة ولا الرئيس مرسى على ذلك، ولكن نقول إن هذا الحدث المستمر يدق ناقوس الخطر لا باعتبار أن المشكلات المتراكمة ستحل فى شهور، ولكن لا بد أن يشعر الناس بروح جديدة حتى يستعيدوا الأمل، ثم يشاركوا فى صنعه. وبدلا من إثارة المعارك مع هذه الممثلة وتلك المغنية، أو الدخول فى مماحكات بين الإسلاميين والعلمانيين وأيهما يلجأ للتمويل الخارجى أكثر من الآخر، وبدلا من حوار الأخونة وعدم الأخونة، واستنزاف طاقة الأمة وتركيزها فى الاتجاه الخاطئ، وفى المعارك الجانبية. وبدلا من محاولة حشد الأمة بمشروعات غير ملهمة (كجمع القمامة) لو دعونا للمشاركة فى بناء مصنع واحد لتدوير القمامة لأثار الموضوع هِمم الناس واهتمامهم. والعجيب أن شبابا على فيس بوك يدشنون مشروعا للفصل فى صناديق القمامة بين المواد الصلبة وغير الصلبة، دون ربط ذلك بأى مشروع للتدوير، وهذا نوع من العبث. وكأن تصنيف الزبالة يحتاج إلى تدريب!! (بالمناسبة لاحظت فى بيروت منذ سنوات وجود هذا التصنيف للقمامة).
لا بد من عدة مشروعات ملهمة تبدأ فورا بشكل مترابط يخدم بعضها بعضا بحيث يساعد ذلك على انتقال البلاد إلى نقطة أعلى خلال فترة وجيزة. أدعو مثلا لوادى سيلكون مصرى. وقد أعلن النظام البائد عن هذا المشروع مرارا دون أى جدية فى التنفيذ: مشروع بجوار الإسماعيلية، والقرية الذكية المزعومة، وأخيرا سطو زويل على جامعة وادى النيل. وليس هذا هو وادى السيلكون المصرى الذى يجب أن ينشأ تحت شعار (بناء مصر بأيدى المصريين). فالمقصود بوادى السيلكون تخصيص مساحة كافية من الأرض فى موقع مناسب لتوطين الصناعات الفائقة التكنولوجية خاصة فى مجال الإلكترونيات والاتصالات، وتشير كلمة السيلكون إلى المادة التى تصنع منها الرقائق الالكترونية وهى بالمناسبة متوفرة فى مصر. وقد بدأت هذه التجربة فى كاليفورنيا بأمريكا وانتقلت إلى الهند فى بنجالور، ثم انتقلت كالعدوى الايجابية السريعة فى عدد من الأمم التى ترغب أن تبقى على سطح الحياة. ايرلندا التى أعيتها الحيل لتنافس الاقتصادات الأوروبية المتطورة عنها دون جدوى، اهتدت إلى هذه العصا السحرية. فتم تشجيع الشعب فى كل القطاعات على تعلم استعمال الكومبيوتر (لاحظ أن ذلك متحقق فى مصر الآن ولكن الكمبيوتر يستخدم غالبا فى الهلس!) كما تم تعزيز البنية التحتية للاتصالات ثم تحولت أيرلندا إلى محور أوروبا الالكترونى. وقصص وديان السيلكون تثير الخيال وتُلهبه، حين ترى مصر لا تزال مشغولة بالقمامة والرغيف وأنبوبة البوتاجاز. سيكون لنا حديث عن وديان السيلكون فى ماليزيا وفنلندا حتى غارت منها بلدان مثل روسيا والبرازيل، الكل يتدافع إلى الماراثون الإلكترونى.
هذا الحديث يتعلق بمشروع أو مشروعات تحقق القفزة الكبرى التنموية فى زمن قياسى أو كما يقولون بالإنجليزية In no time)).. أحيانا قليلة أشعر أن التعبير الإنجليزى أكثر دقة فى التعبير عن المقصود. فعندما ينطلق اقتصاد بلد خلال 5 سنوات أو 8 سنوات من التخلف إلى التقدم، فهذا لا يعد زمنا على الإطلاق فى حياة الشعوب. وهذا موضوعنا العدد القادم إن شاء الله.
magdyahmedhussein@gmail.com