شريط أخبار موقع حزب العمل الإسلامى

Monday, April 11, 2011

لماذا حزب العمل؟ (10) الإصلاح السياسى وقضايا الحريات


يشيع البعض فى السلطة والمعارضة أن التيار الإسلامى خطر على الديمقراطية, وأن الإسلاميين يستخدمون الوسائل الديمقراطية كمطية للوصول للسلطة ثم يمارسون الاستبداد, وهذا ما يشيعه الغربيون أيضا. وبطبيعة الحال نحن نعرض هنا رؤية حزب العمل, وإن كنا لابد أن نشير إلى أن باقى التيارات الإسلامية قد تطورت مواقفها فى السنوات الأخيرة, واقتربت من الرؤية التى نطرحها.

ونحن من القائلين أننا فى موضوع الحريات كما فى غيره من الموضوعات، لا نخجل من الرؤية الإسلامية, بل نفتخر بها، ونرى أنها أفضل الرؤى والحلول, وفى إطار الدعوة الإسلامية لا يجوز إغفال أو إخفاء مواقف الدين فى أى موضوع تحت دعوى التكتيك أو المناورة، وحتى الكذب مع الأعداء مرفوض فى مجال العهود والمعاهدات، فلا يجوز فى الإسلام أن تخرق اتفاقا مع العدو إذا ظل هو ملتزما بالاتفاق، وإذا لاحظت أنه يتحلل من العهد ويستعد للعدوان، فيجب قبل أن تنقض العهد أن تبلغه بذلك، ولا تهاجمه فجأة!

فهذا الدين العظيم يحرم الكذب والغدر والخداع إلى هذا الحد، وبالتالى فإن ما يسمى بالأساليب الميكافيلية، نسبة إلى ميكافيلى الكاتب الأوروبى الذى حض الحكام على استخدام كل وسائل الخداع والكذب والاحتيال وحتى الاغتيال لتحقيق أغراضهم فى البقاء فى الحكم أو توسيع مناطق النفوذ، هذه الأساليب مرفوضة فى الإسلام, إننا لا ننشغل بقضية الحكم والوصول إليه لولا أن أمرنا الله بذلك لإقامــة العـدل وحراسة الدين. ونحن كإسلاميين لا نسعى - ولا يجوز - لانتزاع الحكم بالقوة رغم أنف الأمة, بل لابد أن يكون وصولنا للحكم برضاء عام (ثورة شعبية أو بانتخابات حرة) فنحن دعاة دين ورسالة, وأهدافنا إحياء الدين من جديد فى صدور المؤمنين, وإعادة الأمة سيرتها الأولى. فإذا قبلت الأمة فبها ونعمت، وإن أبت فما على الرسول إلا البلاغ المبين، ومع ذلك سنواصل دعوتنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا, ما دمنا أحياءا على ظهر البسيطة. وبالتالى فإن هذه الدنيا لا تستحق عندنا أن نكذب على أحد أو نخدع أحدا للوصول إلى السلطة.

الأنبياء كانوا دائما أصحاب دعوة سلمية، وطواغيت الأرض هم الذين استخدموا القوة معهم لمنع نشر الدعوة فعندما جاء موسى لفرعون قال له الأخير: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء: 17) رغم أنه لم يطلب سوى: (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ) (الشعراء: 17). وعندما أبدى إبراهيم اعتراضه على عبادة الأصنام كان عقابه - الذى أنجاه الله منه - الإعدام حرقا، ونوح هدده كبار القوم بالإعدام رجما: (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (الشعراء: 116). ولوط عندما اعترض على إتيان الذكور هددوه بالطرد: (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) (الشعراء: 167).

ودعاة الحق والإصلاح من ورثة الأنبياء يسيرون على نفس النهج, إنهم دائما من أنصار المباراة السلمية، يفضلون المناظرات، والحوار والنقاش، ومستعدون لتقبل رأى الجمهور، أما أنصار الباطل فهم يخشون الجدال وحرية الرأى والتعبير لأن حججهم أضعف، وفى كل مواجهة سلمية يخسرون، لذلك يرون أن يفتنوا الناس بالإكراه والتعذيب والتهديد.

لا يمكن لصاحب الحق إذن أن يخشى الحوار الحر أو الانتخابات الحرة، لأنه يكسب فى الحالتين. إذا حاز على الأقلية فهذا يعنى ضرورة بذل مزيد من الجهد للدعوة, وإذا حاز على الأغلبية فهذا مكسب واضح, وإن كان يحتم عليه مواصلة الجهد للحفاظ على هذه الأغلبية. صاحب الحق هو أحوج الناس لاستطلاعات الرأى الأمينة والانتخابات النزيهة. ومن مصلحة الإسلام أن تستمر الانتخابات الحرة حتى يكون فى ذلك تحصينا للحكم من الفساد والاسترخاء.

إذن الإسلام يتوافق مع الانتخابات, بل هو أول من دعا إليها ومارسها، فإذا كانت الانتخابات فى جوهرها: وسيلة لاختيار الناس لحكامهم بحرية، فهذا ما قام به الإسلام فى صدره الأول. وقد جعل القرآن الكريم الشورى من أركان حياة المؤمنين: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وقد كانت هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يثرب (المدينة) تجسيدا حيا لهذا الدين الذى لا ينتشر إلا بالمحبة والإقناع، وعندما دخل رسول الله المدينة كان أكثر من 50%, بل أغلبية كبيرة ترحب بمقدمه رسولا وحاكما للبلاد. وبالتالى فإن حكم المدينة قام باختيار الرسول حاكما بدون إطلاق طلقة نار واحدة، ولا إراقة نقطة دماء واحدة. فهذه هى البيعة الأولى فى الإسلام (بمعنى انتخاب الحاكم)، وكان الأوس والخزرج يتنازعان رئاسة المدينة فى حروب عبثية لا تنتهى، وقد توصلا إلى أن رسول الله - خاصة بعد أن شرح الله قلوبهم للإسلام - هو الذى يجب أن يحكم المدينة، وقد كان اختيارا دينيا سياسيا مركبا.

والمثير للانتباه أن الحلقة الأخيرة (فتح مكة) كانت شبيهة بالهجرة للمدينة, من زاوية الدخول السلمى لعاصمة العرب رغم وجود استعداد حربى (10 آلاف مقاتل مسلم)، لأن فتح مكة لم يتحدد موعده إلا بعد انتشار الإسلام عدديا فى قلب المنطقة العربية (وهى المنطقة المحيطة بمكة والمدينة). لاحظ أن أكبر غزوة لمشركى مكة كانت فى الخندق بـ 10 آلاف مقاتل من مختلف القبائل، والآن فإن المسلمين يجمعون 10 آلاف ولا يستطيع مشركو مكة ذلك. وقد حدثت قفزة فى انتشار الإسلام قبل فتح مكة بعامين تقريبا، بعد صلح الحديبية, فالإسلام انتشر أكثر فى أجواء السلم والهدوء والهدنة. وعندما جاء أكثر من مائة ألف عربى فى حجة الوداع التى أعقبت الفتح فقد كان ذلك مؤشرا واضحا على انتشار الإسلام فى مختلف ربوع الجزيرة.

أما مسألة الغزوات والسرايا فهذه تتعلق بظروف الجزيرة الخاصة حيث كان يغيب الحكم المركزى، فقيام دولة المدينة على جزء من الجزيرة العربية أمر يصعب تكراره فى ظروف الدولة الحديثة المركزية, فكانت المدينة تتصرف كدولة أحيانا، وتتصرف كمعارضة أحيانا أخرى تستهدف الوصول للعاصمة (مكة), وبالتالى كان على الدولة أن تحمى نفسها من مكائد دولة الشرك، وكان لابد من عقاب مكة على ما تقوم به من استيلاء على أموال وثروات المسلمين، وسوء معاملة المسلمين، ومنعهم من الهجرة للمدينة. ومع ذلك فقد كانت المعارك الأساسية الثلاث عدوانا من مكة على المدينة: أحد والخندق، أما بدر فقد كان تعرض المسلمين لقافلة مكة قد فشل, وكان يمكن تجاوز الأمر, ولكن المشركين أصروا على حشد القوات والزحف إلى بدر. وهذه المعارك والسرايا الأخرى لا تخرج عن حدود أنها مناوشات لم تخلف إلا عشرات القتلى من الجانبين!!

سنجد أن المائة ألف الذين زحفوا للحج تحت قيادة رسول الله لم تشارك أغلبيتهم الساحقة فى أى معارك، وأنهم جاءوا متأثرين بالفكر والأفكار التى وصلتهم وتبنوها.

كذلك كانت البيعة لأبى بكر الصديق بيعة خاصة بين النخبة (سقيفة بنى ساعدة) وبيعة عامة فى المسجد، وكذلك عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، ومن أسباب اعتبار عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس أنه أيضا أخذ البيعة فى المسجد ولم يكتف بتوصية سليمان ابن عمه الحاكم السابق. أما ما قام به الأمويون والعباسيون وغيرهم من دول المسلمين واتخاذهم التوريث بالصورة الملكية كأسلوب فى الحكم، فهذا أمر لا أصل له فى الإسلام، ولا يستند إلى أى أساس شرعى. ونظرا لانتشار هذا الوباء فى العالم الإسلامى حتى الآن، ورغم أنه لا يوجد نص شرعى يحدد حدا زمنيا أقصى للحاكم طالما كان صالحا، وبسبب الفساد الذى نشأ عن التوريث, فإننا نتمسك بشرط تحديد مدتين للرئاسة كحد أقصى استفادة من معاناة هذه القرون الطويلة.

فى العهود السابقة كان النظام الملكى هو النظام السائد فى العالم، أما الآن فى عصرنا الحالى فقد أصبحت الملكية مجرد رمز تاريخى فى الغرب والشرق، عدا البلاد العربية والإسلامية ظلت الملكية هى الحكم المطلق (باستثناء ماليزيا الرشيدة حيث توجد بها ملكية رمزية) بل لقد تحولت النظم الجمهورية إلى نظم وراثية. لذلك لابد من وضع الضمانات القصوى لاستئصال هذا الميل لحكم الفرد المستبد الأبدى من بلادنا، وهو من أبرز علامات وأمراض التخلف، وهو فى ذات الوقت ينافى قواعد الشريعة بصورة صريحة, فالشريعة تضع شروطا عامة ومواصفات للحاكم، وتطرحه للبيعة (الانتخاب)، وتضع فى يد الأمة حق عزله (سحب الثقة) إذا خرج عن شروط البيعة أو اختلت أحد مواصفاته (اختلال عقلى - صحى - إلخ) ويمكن الرجوع إلى تفصيل ذلك فى دراسة (الإسلام والحكم - من إصدار المركز العربى للدراسات), ونحن نؤمن بالاحتكام إلى الانتخابات فى كل المستويات والهيئات, لأن رأى الجماعة كقاعدة عامة أفضل من رأى الفرد, وهذه حكمة النص على الشورى فى القرآن والسنة.

فى أحد معسكرات شباب حزب العمل قمنا بتجربة معملية حول هذا الموضوع وكانت النتيجة مذهلة. فى نهاية كل فوج تقوم القيادة بتكريم أفضل ثلاثة من شباب الفوج وتعطيهم جوائز رمزية. ولكن فى أحد الأفواج قررنا القيام بتجربة، فأحضرنا صندوق اقتراع وأوراق، وطلبنا من الأعضاء (كانوا حوالى الثلاثين) أن ينتخب كل واحد منهم أفضل 3 فى الفوج، وقلنا إننا سنأخذ بنتيجة الاقتراع, وقد كان الاقتراع مفاجئا، وجعلناه (الاقتراع) سريا ليكون كل واحد أمام ضميره, وقد كان هناك احتمال أن ينحاز كل شاب لنفسه ويكتب اسمه ضمن المرشحين الثلاثة فتصبح الأصوات متقاربة، ولكن النتيجة كانت مذهلة، لقد اختار الشباب نفس الأسماء الثلاثة التى كانت قيادة المعسكر قد اختارتها وبنفس الترتيب تقريبا!

نحن مع انتخابات حرة لاتحادات الطلاب فى المدارس والجامعات, ونعتبر ذلك المختبر الأول لتعلم الشورى، وتعلم إدارة المجتمعات، واكتساب المهارات المختلفة. ونؤيد بطبيعة الحال انتخابات حرة فى مختلف النقابات المهنية والعمالية والمنظمات الشعبية والأحزاب والبرلمان. ولابد من تحصين الانتخابات العامة من جريمة التزوير التاريخية فى بلادنا بكل الوسائل القانونية الممكنة من إشراف القضاء, إلى استخدام البطاقات الشخصية, إلى تغليظ العقوبة على التزوير باعتباره من جرائم الإفساد فى الأرض، والتى لا تسقط بالتقادم. إن التاريخ الفرعونى (بالمعنى الاستبدادى لا المعنى الحضارى) فى بلادنا يجعل هذه المعركة (فرض نزاهة الانتخابات) ذات أولوية قصوى لأى حكم صالح يتولى البلاد, وإذا توافرت النيات السليمة فلن تكون معضلة, وسيستقر الأمر ويتحول إلى آلية روتينية، فما أجمل أن تحصل على الأصوات التى حصلت عليها فعلا، وما أجمل من الاستعداد لتحسين أوضاعك بعد الهزيمة استعدادا لانتخابات القادمة، وما أجمل إحساس الشعب بسيادته عندما يدرك أن أصواته هى التى تحسم النجاح والرسوب وتحدد من يحكمه، لأنه إذا أخطأ الاختيار فإن بإمكانه التصحيح بعد أربع سنوات. هل يوجد ما تفتخر به أمة أكثر من افتخار البرازيل, فهذا حاكمها "لولا دى سيلفا" (الذى بدأ حياته ماسحا للأحذية) يرسب فى انتخابات الرئاسة مرتين ثم ينجح فى الثالثة، فينقل أوضاع البرازيل المتردية من حال إلى حال, ويحولها إلى المركز الثامن فى اقتصاديات العالم خلال دورتين (8 سنوات) ثم لا يترشح مرة ثالثة بحكم الدستور، ولكن الجمهور يدعم المرشحة التى تمثل نفس الحزب والاتجاه. ويخرج لولا دى سيلفا إلى الحكم وشعبيته أكثر من 80%, كذلك انظروا إلى تجربة محاضير (مهاتير) محمد رئيس وزراء ماليزيا الذى خرج طوعا من الحكم بعد أن رفع بلاده إلى مقدمة الدول الصناعية فى العالم, بعد أن كانت مجرد مزرعة مطاط. وانظروا إلى نيلسون مانديلا محرر جنوب أفريقيا الذى أمضى فى السجون ربع قرن, ومع ذلك ترك الحكم وهو على قيد الحياة.

هذه هى التجارب الحضارية المشرفة التى تجعل الشعوب ترفع رأسها فخرا إلى عنان السماء. ولذلك ليس من قبيل الصدف أن هذه البلدان جميعا قفزت فى معارج التقدم الاقتصادى الحضارى خلال سنوات قليلة.

فى المقابل نجد صورة الحاكم الهرم المصر على البقاء فى السلطة حتى النفس الأخير, حيث يتحول هذا الهدف إلى الرسالة الأولى لمؤسسات الدولة، وفى هذه الدول نجد الصورة القبيحة المتكررة للدول التى أصبح يطلق عليها (الدول الفاشلة)!

إن الشورى وعلى رأسها الاختيار الحر للحاكم هى ركن ركين فى التصور الإسلامى للحكم (التفصيل فى كتاب: الإسلام والحكم).

وكذلك فإننا ندعو لانتخاب شيخ الإسلام (أو شيخ الأزهر) من هيئة كبار العلماء, كما كان ذلك الوضع تاريخيا، وأن يكون راتبه ورواتب العلماء وكل احتياجات الأزهر من أموال الأوقاف، حتى يحظى بالاستقلال الواجب عن السلطة التنفيذية.

*****

لقد بدأنا بالشورى لأنها أساس نظام الحكم فى الإسلام وعرجنا منها لمسألة الانتخابات. ولكن لابد من التأكيد أن الحوار ليس مطلوبا لمجرد الحوار، وأن كثيرا من التجارب التعددية تعرضت للفشل بسبب السقوط فى مهاوى الثرثرة والمهاترات الحزبية، لذلك لابد بعد الحوار الحر والنقاش التزام مؤسسات المجتمع بالقرارات والسياسات التى اتخذتها الأغلبية حتى يستطيع المجتمع أن يتقدم للإمام.

فمفهوم النظام السياسى فى الإسلام يقوم على أساس التوازن بين حقوق وواجبات الفرد وحقوق وواجبات الجماعة.

العمل السياسى فريضة على كل المواطنين:

يقال فى النظم الديمقراطية الغربية أن ممارسة العمل السياسى وحرية التعبير والتصويت من حقوق المواطن، بينما هى فى الإسلام وإن كانت حقوقا فإنها أيضا ترقى إلى مستوى الواجبات، وأن من حسن دين المرء أن يكون ناشطا فى المجتمع دفاعا عن الحق وكل ما هو إيجابى (المعروف) ومعارضا للباطل وكل ما هو سلبى (المنكر)، وألا ينحصر ذلك فيما يتعرض له شخصيا فحسب بل بما يمس مصالح المجتمع ككل. وبالتالى فإن مفهوم العمل السياسى فى الإسلام أكثر رقيا من المفهوم الغربى، لأنه يجعل من فرائض الإيمان بالله أن يكون المؤمن نشطا فى مقاومة الباطل والانتصار للحق، ولا يكتفى بأن يقال له من حقك أن تفعل ذلك أو لا تفعله, ولا ينتبه كثيرون إلى أن هذا المفهوم محورى فى العقيدة الإسلامية, حتى اعتبرها القرآن الكريم الخاصية الأساسية فى خيرية أمة الإسلام: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) فالإيمان بالله الذى هو طريق الجنة، لا يكون حقيقيا ومخلصا إلا بإصلاح الدنيا، فلا يترعرع الإيمان وسط خرائب الدنيا، ولا يكون الإيمان حقيقيا إذا لم يؤد إلى ظهور دعاة الإصلاح.

وهذا المفهوم الإسلامى للعمل السياسى يؤدى إلى حالة من اليقظة الاجتماعية والسياسية لا مثيل لها، فهو فريضة على كل المؤمنين والمؤمنات: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) ولا يختص بها لجنة خاصة ولا تقتصر على الأحزاب السياسية، وإن كانت هى المؤهلة أكثر لقيادة ممارسة هذه المهمة. ولكن الثقافة الإسلامية العامة التى وصلت وترسبت فى أفئدة المواطنين جميعا من خلال التعليم والإعلام وتربية المساجد والأسرة، تؤهل كل مواطن أن يمارس الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى حدود فهمه, وفى حدود دائرة حياته, فى الأسرة والعمل ووسائل المواصلات والأماكن العامة على الأقل. بل يتحول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى دوائر ضاغطة صاعدة وهابطة أفقية ورأسية كماكينة غسيل السيارة التى نغسلها من كل الجوانب والزوايا, فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يجرى من الحكام للمحكومين، ومن المحكومين للحكام، وبين الحكام بعضهم البعض، وبين المحكومين بعضهم البعض, وليس صحيحا أنه مقصور على العلماء والفقهاء, وإن كان هؤلاء أقدر الجميع على الممارسة الشاملة، ولكنهم مع ذلك ليسوا معصومين من المراجعة فى هذا الموقف أو ذاك (راجع التفاصيل فى "الجهاد صناعة الأمة" و"الإسلام والحكم").

نحن أمام حالة حيوية من العمل السياسى، وأمام حالة من الرقابة الشعبية والرسمية الدائمة على مدار الساعة ومن كل الاتجاهات، وهذا ما يؤدى إلى صيانة المجتمع من شتى أنواع الانحراف ويمنع استشراء الفساد، أو بمعنى أصح يجعل الفساد والانحراف فى أدنى حد ممكن، فنحن هنا أمام رقابة يشارك فيها الجميع لوجه الله تعالى وحسبة له جل شأنه وتقربا وعبادة له. ولا يجوز أن تكون الممارسة الخاطئة أو السطحية لبعض شباب الجماعات فى وقت سابق خلال أداء هذا الواجب، مبررا لوقف أو تجميد هذا السلاح الإصلاحى الجبار (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) والقول بأن هذا هو دور العلماء فحسب، فهذا غير صحيح بنص القرآن. كما أن استخدام الأسلحة فى ارتكاب بعض الجرائم لا يؤدى إلى إلغاء السلاح أو إلغاء تراخيصه للناس، كما أن رعونة بعض السائقين لا يمكن أن تؤدى إلى إلغاء استخدام السيارات!!

وإذا نظرت إلى تدهور الأحوال فى مصر فسترى أن كثيرا منها يحدث بسبب تخلى المجتمع عن ممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى القضايا الكبرى, وقد انبثق عن هذه الفريضة نظام الحسبة، الذى تقوم به هيئة نظامية محددة، على أن تظل الحسبة مهمة شائعة بين كل المواطنين.

حاجتنا إلى دستور جديد:

أوضاع أى مجتمع لا تستقر بدون مرجعية أو شرعية أو دستور. ومن أهم أسباب اضطراب أوضاع المجتمع المصرى حاليا أن الدستور لم يعد معبرا عن واقع الحال، ثم جاءت التغييرات الأخيرة (عام 2005) فزادته اضطرابا. إن الدستور يعبر عن مرحلة تاريخية، وقد كان دستور 1971 يعبر عن شرعية ثورة 23 يوليو، أما الدستور الحالى وهو نفسه دستور 1971 بعد إحداث عدد من الترقيعات عليه فقد أصبح أشبه بالوثيقة الميتة التى لا تعبر عن أى واقع، ولا تمثل صيغة جديدة تعبر عن وضع جديد، وهذا منطقى, فقد أوضحنا منذ البداية أن المجتمع انتقل من وضع محدد إلى وضع هلامى (لا وضع محدد جديد) أقرب إلى الفوضى وإلى مزاجية الحاكم الفرد منه إلى أى صيغة معروفة للحكم فى عالم الاقتصاد أو السياسة, هو أقرب إلى تحويل مصر لمستعمرة أمريكية مع ادعاء الاستقلال التام, وهو أمر لا يساعد على صياغة دستور حقيقى, لذا فإن برنامجنا ينص على (إصلاح سياسى شامل يعتمد على أحكام الشريعة، وهذا يعنى أن الدستور الجديد لابد أن يؤكد سيادة الدولة ضد أية محاولات أجنبية لاختراقها, ويحمى فى الوقت نفسه حقوق المواطنين, ويعدل قواعد إدارة الدولة) (تقرير المؤتمر العام السابع لحزب العمل 15-16 أبريل 1999).

إن الدستور الجديد يجب أن يصاغ وفقا لنصوص وروح الشريعة الإسلامية, ولا يكتفى بنص مادة تقول أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع. وتأكيد وتحصين استقلال البلاد من أهم خصائص الشريعة الإسلامية، وكل ضمانات الحرية الفردية وتوازن السلطات وضمان العدالة الاجتماعية.

إن صياغة الدستور الجديد وفقا للمرجعية الإسلامية ضرورة لضمان ممارسة التعددية السياسية بشكل حقيقى. فالمجتمعات الغربية والشرقية التى مارست التعددية بشكل محترم وجرى فيها تداول السلطة بصورة اعتيادية دون حدوث اضطرابات فى البنية العامة للدولة كان ذلك بسبب الاتفاق العام بين كل الفرقاء والأحزاب على الإطار العام للمجتمع أو المرجعية العامة (الدستور), وأن التنافس الحزبى جرى على أساس خلافات ورؤى واجتهادات فى داخل نفس الإطار، ولو كان الأمر خلاف ذلك لأدت التعددية الحزبية إلى تدمير أسس المجتمع كلما تمكن حزب جديد إلى الوصول إلى السلطة!!

لذلك فإن مناقشة وصياغة الدستور الجديد من خلال برلمان منتخب بصورة حرة أو جمعية تأسيسية منتخبة يجب أن يأخذ وقته تماما، ويجب عرض الدستور للاستفتاء الشعبى, ونحن لا نسعى لإسلامية الدستور إلا عبر هذه الأساليب، فإن الاستقرار الحقيقى للبلاد لن يتأتى إلا من خلال دستور يوافق عليه الشعب فعلا. وليس من خلال فرضه بصورة سلطوية ثم باستفتاء مزور.

وهذا سيؤدى إلى تعددية حزبية حقيقية، فحرية تكوين الأحزاب مكفولة فى إطار المرجعية الإسلامية، ولكل حزب أن يطرح رؤاه السياسية والاقتصادية بدون قيود، والقيد الوحيد يكون على الأنشطة الصهيونية والأجنبية المعادية.

والدستور الجديد يجب أن يحقق توازن السلطات بين التنفيذية والتشريعية والقضائية, وإن كنا نميل لنمط الجمهورية الرئاسية (أكثر من البرلمانية) لأن القائد فى الإسلام مسألة جوهرية، إلا أن هذا لا يعنى استئثار رئيس الجمهورية بالسلطات الكبيرة والمتشعبة إلى حد الوصول لحكم الفرد كما هو الحال فى الدستور الحالى، ولا يعنى أن رئيس الجمهورية فوق المساءلة، ولا يعنى - كما ذكرنا - أن يتجاوز فترتين، إن دولة المؤسسات هى الحلم الذى نسعى إليه فلا يصبح مصير الملايين معلقا بفرد واحد، ولا تتخذ القرارات بصورة فردية أو مزاجية، ولو كان محمد على أو جمال عبد الناصر أقاما دولة المؤسسات لما سقطت دولتهما بعد موتهما بسنوات قليلة.

لقد وصلنا إلى وضع لم تعد فيه حتى السلطة التنفيذية مؤسسة، فلم يعد لدينا مجلس وزراء مؤسسى حقيقى, بل هناك مجلس وزراء خفى هو الذى يحكم: أى مجموعة من المستشارين محيطة برئيس الجمهورية، وما يقرره الرئيس هو الحق والحقيقة، وهو الرئيس الفعلى للسلطة التنفيذية، وتحول الوزراء إلى مجرد صبية. ولم يعد عندنا سلطة تشريعية بالمعنى الحقيقى أو المفهوم, فهى مجرد مجلس يتم تحريكه بالريموت كنترول، وهو مجرد لجنة تابعة لرئاسة الجمهورية. ومن مصلحة الأمة أن يمارس البرلمان دوره التشريعى والرقابى، لأن هذا يرفع من أداء الدولة, ويخلق لها المزيد من الهيئات المتخصصة، أما الآن فإن التشريعات تأتى من السلطة التنفيذية, وعلى البرلمان أن يبصم عليها أو يقوم بتعديلات هامشية, وتوافق عليها السلطة التنفيذية قبل تمريرها. وبالتالى على مدار عشرات السنين لم تنمو مهارات وكفاءات التشريع, بل نمت وتطورت مهارات فى التلفيق على يد من أصبحوا يسمون (ترزية القوانين), أى الذين يفصلون التشريعات وفق مقاسات ومطالب الحاكم.

إن توازن السلطات من أهم خصائص مبادىء الحكم الإسلامى، فقد فرق الخلفاء بين سلطاتهم التنفيذية وبين التشريعات التى كانت تستدعى اجتماعا لكبار الصحابة (البرلمان) ثم انفصلت السلطة القضائية وكان الخليفة يمثل أمام القضاء.

ضمان استقلال القضاء من مصلحة الأمة, ومن أجل بناء بنيان مجتمعى عادل ومستقر. ونحن نؤيد كل ما صدر عن نادى القضاة خلال فترات رئاسة تيار الاستقلال، من مطالب فى هذا الشأن: فلابد من رفع يد وزارة العدل عن شئون القضاء والقضاة، باعتبارها ممثلة للسلطة التنفيذية وتتركز كل شئون القضاء فى مجلس القضاء الأعلى، وإلغاء جميع المحاكم الاستثنائية, وحظر ندب القضاة لدى السلطة التنفيذية، مع توفير الرواتب الكافية لسد احتياجات معيشتهم.

المحكمة الدستورية:

تمارس المحكمة الدستورية فى إطار الدستور الإسلامى المنشود، مراقبة مطابقة القوانين الصادرة عن البرلمان للشريعة الإسلامية سواء قبل صدورها أو بعد صدورها. وإن كان قبل صدورها أفضل ضمانا للاستقرار التشريعى.. وهذا الأمر معمول به فى مختلف البلدان الديمقراطية، والفارق هو فى المرجعية الإسلامية.

الحريات السياسية وحقوق الإنسان:

نؤمن بضرورة توفير أكثر الضمانات لحرية التعبير بمختلف أشكالها، وأن يكون حق إصدار الصحف والمجلات مكفول للأفراد والهيئات والأحزاب، وتأسيس الأحزاب والجمعيات فى إطار القانون والدستور, وكذلك حق عقد الاجتماعات والتظاهر والإضراب السلميين. والقيود لا تكون إلا فى حالتى الخيانة أو إهانة ثوابت الأمة الدينية.

وفى هذا الإطار لا يقبل أن تستمر حالة الطوارىء المستديمة التى تخنق البلاد منذ عشرات السنين، فحالة الطوارىء لا تعلن إلا فى حالة الحرب، أو فى حالة الكوارث الطبيعية فى الأماكن التى جرت فيها, وتنتهى بنهاية الحرب أو الكارثة الطبيعية. إن استمرار حالة الطوارىء لمدة ثلاثين سنة متصلة هو إهانة واستهانة بهذا الشعب, واحتقار لعقول الملايين عندما يقولون لنا أنها من أجل الإرهاب أو المخدرات، بينما هى وسيلة مثلى لممارسة الاستبداد وسياسة العصا الغليظة مع المعارضين وأبناء الشعب، وتعطيل القوانين، وهو ما أدى إلى تغول أجهزة الشرطة، وخلط المعايير بين تطبيق الطوارىء وانتهاكات حقوق الإنسان. وبالتالى فإن الاعتقالات والمحاكم الاستثنائية والتعذيب لابد أن تزول من قاموس حياة المصريين، ويجب تغليظ العقوبة على التعذيب إلى حد الفساد فى الأرض، وعدم إسقاط تهمة التعذيب بالتقادم.

ومع تزايد أهمية الإعلام المرئى والمسموع, فإن استمرار احتكار الدولة للإعلام الرسمى وممارسة هيمنتها على القنوات الخاصة، لم يعد مقبولا، فطغيان الأجهزة الأمنية وصل إلى حد تحديد أسماء الضيوف المسموح بهم، والضيوف المطلوب ظهورهم كثيرا، والضيوف الذين يجب منعهم تماما، فهذا يحول الإعلام إلى مهزلة، ويقدم تعددية زائفة مصنوعة, ويقضى على فوائد ومزايا هذا التطور الجديد فى الإعلام الفضائى الذى يملك البث المباشر للأحداث وينقل آراء مختلف الاتجاهات ويوصلها بصورة فورية لسائر الجمهور فى البلاد. كذلك فإننا نرفض التعاون الآثم بين الحكومات العربية للتضييق على مراسلى الفضائيات وعلى البث الفضائى، والتعاون لوضع قيود على الإنترنت.

No comments:

Post a Comment